في الحديث عن المسلسلات اللبنانية شجونٌ طويلة، من بينها أنها تصر على الحديث عن العائلات الغنية باعتبارها «قدر» الدراما اللبنانية، وطبعاً حال البدء في ذلك الحديث، تظهر مصائب هذه الدراما: كلمة «خواجة» التي لا يعرف أحدٌ من يستعملها في لبنان، الإصرار على الأسماء «المنزوعة اللون» مثل شوقي وعوني ومدحت؛ باعتبار أن جميع المؤدين هم بلا طوائف أو أديان. يضاف إلى كل هذا التعامل الفوقي من الأثرياء مع «موظفيهم» كما لو أننا لا نزال في عصر الملكية والعبودية و«يا عثمان هات الكرباج وجيب الفلاحين من العزبة».يأتي مسلسل «حادث قلب» محاولة من المخرجة رندة العلم، وإن كان القياس هنا بالمقارنة مع المسلسلات اللبنانية الموازية. قصة معتادة ومكررة، الفتاة الثرية التي تغرم بسائقها الفقير. طبعاً، القصة التي كتبها وليد زيدان تستعمل حرفاً درامية لربما «ماتت» لقدمها واستهلاكها: الجريمة التي ارتكتبها البطلة في صباها ستعود لتحاصرها حين نعرف بأنّ من ضربته بسيارتها وأقعدته هو والد حبيبها الفقير «ما غيرو». كم نحتاج من الصدف لتحقيق ذلك؟ لا يهم. طبعاً فلك القصة يتوسع ليروي قصة الفتاة التي تتعرض للاغتصاب غير مرة عبر حبيبها السابق، لكنها مع ذلك، وبعد خروجها من المستشفى بيوم واحد تقوم/تخرج/تتصرف بشكلٍ عادي كما لو أن ما حدث شيءٌ اعتيادي/ يومي/ معاش. في الإطار نفسه، هناك تفاصيل كثيرة لا يمكن فهمها ولا تحدث إلا في المسلسلات التي تعتمد الصدفة كبنية لها: الشاب الذي يحلم بالغناء وحال تحقيقه لتلك الرغبة، تصدمه سيارة فيقع في الكوما. هل هناك شيء أكثر كلاسيكية/ تكرارية من هكذا صورة/مشهد؟ باختصار، لربما من أضعف ما في المسلسل هو نصّه المكتوب فعلاً الذي لم يعن أحداً من الممثلين على أداء حرفتهم.
أدائياً؛ «الكوبل» الذي يجمع بين كارلوس عازار وستيفاني عطالله يمكن اعتباره ثنائياً لطيفاً، والمراكمة عليه لأعمالٍ مقبلة، لماذا؟ كون الثنائي -حتى الآن- خفيفاً يمتلك كثيراً من الصفات التي تجمعهما؛ فماذا لو كان العمل القادم الذي يجمعهما مثلاً يحوّل ستيفاني إلى شريرة؟ متسلطة؟ منتقمة؟ ستيفاني عطالله تقدّم بدورها أداء مقنعاً لفتاة غنية، مترفة، لا نعرف بالضبط -لأن النص يريدها هكذا- ماذا تعمل أو بأي تخصّص تخرّجت في الجامعة، سوى أنّها ترتدي ثياباً أنيقة، وتعمل في شركة والدها، وهذا داء المسلسلات المحلية بالطبع؛ التعامل بتجاهل مطلق مع المشاهدين. تحاول عطالله الخروج من عباءة معتاد الممثلات اللبنانيات، خصوصاً أنّها لا تتكئ على جمالها، بالمقدار الذي تتكئ فيه على ظرافة شخصيتها. هي تشبه نينا دوبريف من المسلسل الشهير vampire diaries أداءً وشكلاً، وهو يحسب لها كثيراً. كارلوس عازار بدوره، يحاول كثيراً أن يخرج من عباءة الشخصيات التي أداها سابقاً في مسلسلات أخرى، لكنه يصبح منهكاً في لحظات ما، فيكرر أداءه، وهو ما يجب أن يعمل عليه في مسلسلاته القادمة: أن يكون الشخصية التي يؤديها، لا كارلوس عازار. ذلك لا يعني أن اداءه في المسلسل سيء، بالعكس هو يحاول وينجح في كثيرٍ من المرات. بدورهما القديران علي الخليل وطوني مهنا يؤديان بشكلٍ طبيعي/عفوي وإن كان يعاب على الخليل أنه استغرق في اداء هذا النوع من الشخصيات كثيراً حتى باتت كلازمته، ويجب تغييرها، خصوصاً أنه يمتلك المهارة لذلك. مهنا قدّم شخصية غاضبة/ معذبة وإن كانت تخفي بداخلها الكثير، وهذا يحسب له. لربما أفضل من في المسلسل هو وسام صليبا، الذي حاول تقديم شخصية جميلة بكل جهد، ونجح في ذلك. صليبا يمتلك مهارات كثيرة، لكن نصوص الأعمال التي يقوم بأدائها تحشره كثيراً في شخصياتٍ مسطحة. في «حادث قلب»، يحشر صليبا في شخصية «الصديق الطيب» كما لو أنّ الشخص في الحقيقة إما طيب أو شرير، وهو أمرٌ لا يحدث إلا في المسلسلات المصرية إبان تسعينيات القرن الماضي وما قبله وحالياً في الدراما المحلية. على الجانب الآخر، في المسلسل مؤدون جيدون مثل القديرة كارول عبود التي ضغطها المسلسل أيضاً في شخصية «بلا أبعاد» لكنها أعطتها من قلبها؛ نفس الأمر ينسحب على داليدا بارود التي عبثاً تحاول أن تكون «أكثر» من مجرد «واجهة» في دور الأم غير التقليدية، لكنها مشكلة النص كالمعتاد. يارا فارس حاولت كثيراً وخصوصاً عند بدايات المسلسل أن تقدّم شخصيةً غير معتادة لكنها عادت وحشرت في دينامية منهكة في المسلسل.
إخراجياً، تحاول رندة العلم أن تقدم مسلسلاً خارجاً عن المعتاد، على الرغم من اعتيادية القصة، تغير في أشكال أبطالها عبر الوقت، تستخدم حرفة أتقنتها في اخراج الفيديو الكليب سابقاً في خلق مشاهدة سريعة متلاحقة تجذب المشاهد للمسلسل، وهو أمرٌ تنجح فيه بشكلٍ كبير في لحظات/ مشاهد ما. كذلك تنجح العلم في الجمع بين كيمياء بطليها المتوافقين، وهذا أيضاً يحسب لها. إذ إن جميع مشاهد عطالله مع عازار موفقة إلى حدٍ كبير (طبعاً المقارنة بالنسبة للدراما المحلية).
باختصار، هو مسلسل كان من الممكن أن يكون أفضل من هذا بكثير، يحاول أن يقدّم قضايا -للأسف- قد لا تعني أحداً، إلا بمقدار قصة مسلية بعض الشيء، تمزج بين مؤديين تجمعهما كيمياء جميلة.
__
* «حادث قلب»: 21:30 من الاثنين حتى الأربعاء على mtv