اشترى أحد الرجال حذاء غالي الثمن، ومرّت عليه سنون من الاستعمال اليومي من دون أن يهترئ، أو تنال منه كثرة الاستخدام، فضاق الرجل ذرعاً بما اشتراه، لأنه كان يودّ التجديد! ذهب إلى حكيم لكي يعاينه، ويكشف له السرّ، فقال الحكيم إن الحذاء مصنوع من جلد البشر. استغرب صاحبه، وسأله كيف له أن يهترئ علّه يشتري غيره، فأجابه: «ما عليك سوى انتعاله والدوران به في الليل حتى بزوغ الضوء». وبالفعل راح صاحب الحذاء ينفّذ وصية حكيمه، وما هي إلا أسابيع حتى تهاوى الحذاء واهترأ كلياً! فهم الرجل بأنه لا يمكن أن يضّر الإنسان شيء أكثر من السهر! تلك القصة ترد على لسان «ديبو الحلّاق» التي أدّاها الراحل سليم كلّاس في مسلسل «أيّام شامية» (1992 ـــ كتابة أكرم شريم وإخراج بسّام الملّا). بهذه النوعية من القصص، بنت الدراما الشامية مجدها، معتمدة على الفرجة أكثر من أي شيء آخر، وربما تداعب النوستالجيا المعتملة داخل كلّ من تعلّق قلبه بالشام، بخاصة أيّام زمان التي توصف بأنها عنوان للتآلف والإغاثة والتآخي والشهامة... منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أنجزت الدراما السورية آلاف الساعات التلفزيونية، من هذه النوعية، ووجدت من يتلقّفها بدون تردد مهما كانت حال الدراما السورية وتموضعها على الفضائيات العربية!هذا العام، تقدّم سوريا مجموعة كبيرة من المسلسلات الشامية، أوّلها ما أنجزته شركة MB (صاحبها ماهر البرغلي ومديرها العام جود البرغلي). إذ تولى النجم أيمن رضا إدارة أول مشاريعها وهو المسلسل الشامي «الكندوش» (العمل يتألف من 60 حلقة ــــ كتابة حسام تحسين بيك ــــ إخراج سمير حسين، بطولة: أيمن زيدان، سلاف فواخرجي، شكران مرتجى، أيمن رضا، فايز قزق، تيسير إدريس، رضوان عقيلي، كندة حنا، جفرا يونس، همام رضا، فاتح سلمان، حازم زيدان ـــ تعرضه «دبي»، «الظفرة»، «روتانا خليجية»، منصّة «ويّاك»، lbci...). العمل الذي تدور قصته في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، لا يمتثل للقاعدة التقليدية في السبك التصعيدي، إنما يعتمد على نسج معطيات مكثّفة أكثر خصوصية، في جوهر كلّ شخصية، وتوريط المشاهد في تعقّب مصائر هذه الشخصيات. تنطلق الحكاية من رجل ثري وخيّر، له هيبته ووقاره، وحضوره في الحارة الشامية، وقصّة غرامه الصادمة مع أرملة غير زوجته وأمّ أولاده. ومن ثم هناك الصراع الدائم بين محورين، أحدهما يتمثّل في شرّ شبه مطلق، يجسّده شاب يريد تطويع الحياة، وتحقيق الأحلام عن طريق السرقة والسطو، فيما سيكون المُشاهد لاحقاً أمام فرصة تأملية، من خلال شخصية مغسّل أموات. ستترك أسماء الشخصيات ومنطقها وبناؤها عموماً إتاحة واضحة لتلقٍّ مختلف، وفرجة شعبية عالية، معافاة من الاستعراضات المجانية، فيما سيكون للمنطق الموسيقي والغناء مساحة واسعة من العمل الذي يتنافس بشكل واضح مع «حارة القبة» (60 حلقة ـــ كتابة أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي وإنتاج شركة «عاج» هاني العشي- تلفزيون «دبي»). العمل الذي يؤدّي بطولته كلّ من عباس النوري، سلافة معمار، فادي صبيح، خالد القيش، ندين تحسين بيك، نادين خوري، يقدّم حكاية ضمن قالب المسلسل الشامي التقليدي، تجرّب اللعب بمنطق تشويقي للحد الأقصى، وسرد حكاية تدور في زمن السفر برلك من دون التعريج على المطرح التاريخي، إلّا بخلفية ناعمة جداً، والتدوير بين المطارح التي يلعبها الممثلون عادة بالاتّكاء على خبرة رشا شربتجي، واجتهادها ومحاولتها بتجديد تقني، أو صياغة بصرية تزيد الحالة التشويقية.
جزء ثان من «بروكار» و«سوق الحرير» وموعد دائم مع سلسلة «باب الحارة»


من جهتها، تعتصم شركة «قبنض» بالإنتاج الشامي الرابح بالنسبة إليها، وأولها إنتاج جزء ثان من «بروكار» (كتابة الراحل سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب، بطولة: جمال قبّش، سلمى المصري، زهير رمضان، رنا الأبيض، قاسم ملحو، علاء القاسم وزينة بارافي). قدّم العمل في جزئه الأوّل حكاية تخللتها مطارح درامية لها علاقة بصناعة «البروكار» الشامي، ومحاولة أحد المهندسين الفرنسيين سرقة هذه الصناعة والخروج بصنعة بديلة للقضاء على الصنعة الوطنية المحلية في أربعينيات القرن الماضي. وجرّب إضافة جرعات تشويقية على خلفية المحور الجوهري للحكاية من خلال جرائم قتل متتالية تدور خيوطها على خلفية الحدث الرئيس، وتصفيات لضبّاط فرنسيين، وسيستمر بالروي ضمن هذا السياق في جزء ثانٍ.

سلاف فواخرجي في مشهد من «الكندوش»

كذلك تستمر الشركة في إنتاج أجزاء جديدة من سلسلة «باب الحارة» (كتابة مروان قاووق، إخراج محمد زهير رجب، بطولة: زهير عبد الكريم، رضوان عقيلي، نجاح سفكوني، قاسم ملحو، أمية ملص، زهير رمضان، فاتح سلمان، رنا الأبيض، مصطفى المصطفى، بلال مارتيني ـــ قناة «الجديد»). أيضاً سيكون الجمهور على موعد مع جزء ثان من مسلسل «سوق الحرير» بعد فشل جزئه الأوّل رغم حشد النجوم الذين لعبوا فيه وهم: بسام كوسا، سلوم حداد، كاريس بشار، فادي صبيح، ندين تحسين بيك... فقد قرّرت شبكة mbc المنتجة الفعلية للمسلسل تغيير طاقم العمل. هكذا، أضافت كاتباً إلى حنان المهرجي كاتبة الجزء الأوّل، ليصبح شريكها سيف حامد، واتفقت مع المثنى صبح ليتولّى مهام الإخراج خلفاً للأخوين بسّام ومؤمن الملّا. على أمل أن تتغيّر تصاعدية الحكاية وتشتد وتجرّب القبض على جمهور أوسع!
أيضاً سيكون المشاهد على موعد مع مسلسل «أولاد سلطان» (كتابة سعيد الحناوي وإخراج غزوان قهوجي، إنتاج «شقرة للإنتاج الفني»، بطولة حسام تحسين بيك وسليم صبري ويحيى بيازي وماهر شقرة وعبد المنعم عمايري...) وهي حكاية تقدّم منطقاً مكروراً لصراع المال والسلطة والجاه في حارة شامية.


من سمير هزيم إلى جفرا يونس... تحيّة خاصة
«نصوّر كلّ يوم بصحبة أكثر من 50 كومبارساً، عدا فريق المسلسل الأساسي من فنيين وممثلين. لذا لا يمكن أن نتعامل مع فيروس كورونا، مهما أخذنا من حيطة وحذر إلا على أنه يشبه نزلة البرد»! يقول أحد النجوم السوريين المكرّسين في زيارتنا لموقع تصوير مسلسله. وبالفعل لا يمكن لكل درجات التعقيم والتباعد أن تفيد في مهنة مثل التمثيل التي تفرض تقارباً إجبارياً ومعطيات مختلفة عن كل المهن الأخرى. لعلّها فرصة بحلول شهر الصوم وموسم الدراما أن نتوجّه بتحية إلى من أصابهم الفيروس بمقتل أو خلّف لهم خسائر واضحة، وهم يجرّبون بذل أقصى ما يملكون لصوغ ترف المتعة عند المشاهد، ولو كلّفهم ذلك حياتهم دفعة واحدة. البداية كانت مع المحامي والسيناريست سمير هزيم (1951ـ 2021) الذي فارق الحياة بعد إصابته بالفيروس. كذلك، خسر مدير الإنتاج السوري فراس حربا (1974ـ 2021) معركته مع كورونا التي استمرت أسابيع. لم تتمكّن رئتاه من المقاومة، والسبب أنّه خضع قبلها بفترة لعملية في القلب تكلّلت بالنجاح، لكن قبل أن يتماثل للشفاء بشكل نهائي، أصيب بكورونا فكانت النهاية بعد معاناة وصعوبة في التنفّس! الراحل خلّف صدمة، خصوصاً أنه يُشهَد له بالأخلاق العالية والطيبة الواضحة! بقدر أقلّ بكثير تماثلت الممثلة السورية الشابة جفرا يونس للشفاء من الفيروس لتجد بأن قرارها الأخلاقي بالابتعاد عن التصوير كي لا تعدي أحداً من زملائها كلّفها دورها في مسلسل «على صفيح ساخن» واستبدالها بدون علمها، ما جعل زميلتها رنا كرّم تعتذر عن عدم أداء الدور كنوع من التضامن مع رفيقتها!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا