بغياب الإعلامي فؤاد بلاط أمس (1940- 2021)، تتخذ الخسارة هيئة الطعنة الغادرة، فقد كان الراحل سنداً معنوياً لأجيال من الإعلاميين السوريين طوال فترة السبعينيات وما تلاها، نظراً لموقعه الإداري في إدارة دفّة السفينة الإعلامية المضطربة، خصوصاً أثناء عمله في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومعرفته الدقيقة إلى الجهة الصحيحة للبوصلة. ففي عهده، احتضن بعض تجارب سينمائي السبعينيات العائدين للتو من الدراسة في موسكو، في محاولة لإنتاج أفلام وثائقية للتلفزيون، محاولاً استيعاب الجرعة المضادة لهؤلاء وسعيهم لتجاوز الخطوط الحمر، بعقلانية لم تكن متوافرة دائماً لديهم (بعض هذه الأفلام لم تنج من مقص الرقيب). عدا حصة الأغاني الوطنية على الشاشة، استقطب فؤاد بلاط المغنين الشعبيين في محاولة لأرشفة الأغنية السورية من الفرات إلى حوران، بالإضافة إلى إطلاق برامج ثقافية لم تبرح الذاكرة إلى اليوم بما فيها حصة كاملة للموسيقى الكلاسيكية، و«نادي السينما»، و«من الألف إلى الياء». هكذا صنع هذا الرجل قيمةً للكرسي لا العكس، بفهمه العميق لمعنى الإعلام الرسمي وفخاخه، وبرحابة البدوي ونخوته في صناعة الألفة وتحطيم الحواجز مع الآخرين، وبالقبض على العصا من المنتصف. بانسحابه من المشهد الإعلامي السوري في السنوات الأخيرة، اكتفى فؤاد بلاط برواية الحكايات والمواقف والمفارقات التي واجهته طوال نصف قرن من العمل. كنّا نلتفّ حول طاولته صبيحة كل جمعة في مقهى الروضة الدمشقي، ننصت إلى رواياته الشفوية عن زمنٍ سعيدٍ وآفل، إلى أن داهمته أمراض الشيخوخة، وكاد أن يفقد بصره لا بصيرته، فانقطع عن جلسته الأسبوعية، وكأنه يطوي زمناً لم يعد يشبه البلاد. ذات مرّة استدعاه مجلس الشعب بصفته مديراً عاماً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، لمناقشته بأحوال الإعلام الرسمي وكيفية تطويره، فسأله أحدهم «لماذا لا يكون التلفزيون السوري مثل هيئة الإذاعة البريطانية؟» فأجابه على الفور: «عندما يصبح مجلس الشعب مثل مجلس اللوردات البريطاني، نصبح نحن مثل الـ «بي. بي. سي»». اليوم، عاد فؤاد بلاط إلى مسقط رأسه على ضفاف الفرات، في رحلة معاكسة، مثل عتابا مطعونة بالغياب.