أمّا إصرار «حازم» على أنّ «هنا» ستتوه من دونه وتعجز عن تحقيق أي إنجاز بعيداً عنه أو بلا مساعدته ومشورته، فنابع من شعوره الواضح بعدم الأمان على أصعدة عدّة، وخصوصاً إحساسه بالفشل في حياته المهنية. فالجانب الوحيد الذي يستطيع موظّف البنك السابق السيطرة عليه في حياته هو «هنا».
أخرج تامر محسن العمل وتشارك كتابته مع ورشة عمل قادتها مها الوزيري
أداء رائع لممثلة تتلوّن بسلاسة وإتقان بثوانِ معدودة. تارةً نرى مشاعر الحب والسعادة والحماسة، وتارةً اليأس والضياع وقلّة الحيلة والقلق، وتارةً الغضب والاستشراس... مشهد الولادة وما بعدها، ومشهد المحكمة أثناء مخاطبة القاضية ومشهد المواجهة مع «حازم» في السجن، كل ذلك دليل لا يرقى للشكّ على أنّ منى زكي طاقة وقيمة تمثيليتان كبيرتان جداً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى محمد ممدوح الذي يشبه النحل الذي تعمل معه شخصيّته يومياً؛ يقدّم العسل اللذيذ الصافي أحياناً، ويلدغ حتى الموت أحياناً أخرى. «هنا» و«حازم» قصّة حبّ بدأت بالتأزّم بفعل البُعد. غيرة الزوج وشكّه وفقدانه للشعور بالأمان، تُرجمت توتّراً كبيراً في العلاقة بين الثنائي، وصل إلى حدّ الإهانة والتحقير الأمر الذي نفّر «هنا» من «حازم»، وحوّلها مع الوقت إلى امرأة عازمة على الانتقام والانتصار لنفسها على الرغم من الحنين والحب اللذين يغلبانها أحياناً.
عدم القدرة على التواصل بين الزوجين مسألة سبق أن أظهرها تامر محسن ببراعة على الشاشة الصغيرة، كما هي الحال في «تحت السيطرة» (2015) و«هذا المساء» (2017). «بدر بيه» (سيّد رجب)، شخصية قوية ومتسلّطة لكنّها وصلت إلى مرحلة الزهد في الدنيا إثر تعرّضها على ما يبدو لخسارة شخصية كبيرة (أو أكثر). يسيطر عليها الغموض وإن كانت بعض مكامنها بدأت تتكشّف في الحلقات الأخيرة بعد سلسلة من التلميحات الواردة في السيناريو، ولّدت على مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب نظريات خاصة بالمعجبين لتحليلها، كما يحصل مع الأعمال الأجنبية التي تحقق قاعدة جماهيرية كبيرة. الغموض يلفّ أيضاً شخصية «الشيخ مؤنس الليثي» (يؤدّيه ببراعة محمد فرّاج)، المؤمن المتزمّت الذي يعمل محامياً دولياً وله مكانة في عالم الأعمال بين مصر والولايات المتحدة. رجل معتدّ بنفسه ومغرور وماكر. هذه الصفة الأخيرة تظهر مراراً، ولا سيّما عندما يتبخّر الهدوء ونظراتُ الطيبة لمصلحة نظرات الغضب والأذيّة بمجرّد تعرّضه لبعض المقاومة والتقليل من الشأن. شخصية بطبقات عدّة ستتكشّف تباعاً، لكن الأكيد أنّنا أمام مهرتق يستخدم الدين سلاحاً لتبرير أفعاله وتحقيق غاياته. شخصية «تصطاد» النساء الضعيفات وتستغلّ ظروفهن الصعبة في سبيل السيطرة عليهن، انطلاقاً من النزعة التملّكية الواضحة لديه. حبّه لـ «هنا» وُلد بسرعة كبيرة، فيما لا تزال الغرابة هي العنوان الرئيسي للعلاقة التي تجمعهما حتى الآن. هو التملّك نفسه الذي تكرهه «هنا» في زوجها «حازم»، وشكّل تحدّياً أساسياً بالنسبة إليها ودافعاً لخوض المغامرة الأميركية في الأصل. علماً بأنّ الرجل الوحيد في حياة البطلة الذي لا يتعاطى معها بهذه الطريقة هو «بيغ زي» (آدم الشرقاوي).
يمكن قراءة المسلسل من زوايا عدّة: من الناحية الفلسفية مثلاً من خلال المعاني الوجودية التي تطرحها شخصية «بدر» ورحلة «حازم» معها. ومن الناحية الاجتماعية كونه يتطرّق إلى مواضع عدّة كالطلاق الشفهي الذي ولّد جدالاً فقهياً كبيراً في مصر في الآونة الأخيرة، الذكورية، أطفال الأنابيب، تمكين المرأة والحلم الأميركي الذي يراود كثيرين قبل أن يستحيل كابوساً في نهاية المطاف لدى البعض...
22 حلقة مرّت حتى كتابة هذه السطور، نجح خلالها «لعبة نيوتن» في خلق حالة درامية مختلفة قائمة على التكثيف والحرفية. وما النقاشات المشتغلة في العالم الافتراضي حول الأحداث، إلا دليل على عطش المشاهدين لهذا النوع من الإنتاجات!
«لعبة نيوتن» على dmc (س: 21:00)، «دبي» (س: 23:00)، OSN (س: 23:00)، «رؤيا» (س: 22:00) وتطبيق «شاهد VIP»
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا