كان علينا أن نتثبت من صدقية العناوين الصادمة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضمنت هجوماً حاد اللهجة على المقاومة، إذ أن مستوى الخلاف السياسي بين الفصائل الفلسطينية والسعودية، لا يحتمل كل هذا الفجور، لكن البحث في التقارير التي نشرتها صحيفتا «عكاظ» و«الشرق الأوسط» حمل مقاربات صادمة، حتى أنك تشعر أن صواريخ غزة سقطت على الرياض، لا على تل أبيب تبدو صحيفة «عكاظ» السعودية، وكأنها كانت تنتظر أن يشكر قيادي في فصائل المقاومة الدور الذي لعبه محور المقاومة وخصوصاً إيران، في بناء قدراتها العسكرية والتنظيمية التي انعكست في أدائها الميداني في الجولة الأخيرة، كي تقدم قناعاتها ليس في المقاومة المسلحة فقط، إنما في الحدث الفلسطيني برمته. الصحيفة السعودية اكتشفت في أعقاب الحرب، أن للمقاومة تواصلاً حثيثاً مع إيران، فمهرت صفحتها رئيسيتها الصادرة بتاريخ 26/مايو الماضي بـ «مانشيت» كبير: «المتآمرون ينكشفون .. فصائل غزة.. أذرعة الفرس الإقصائية». وفي تفاصيل المقال الذي كتبه الصحافي فيهم الحامد، تعترض «عكاظ» على الرسالة التي قالت إن قيادة حماس والجهاد، بعثتها للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وقدمت فيها تفاصيل وافية عن سير المعركة خلال 11 يوماً، ومستوى الإنجاز الذي تحقق ويمكن البناء عليه. ورأى الحامد أنّ هذا التواصل يؤكد أن «فصائل غزة» ليست سوى «أذرع فارسية لنظام الملالي» وهي تعمل بشكل متآمر وإقصائي. إذ أنه ووفقاً للأخير، فإن القائد الأجدر الذي كان يجب أن ترسل له رسالة كتلك، هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سواء «اختلفنا أو اتفقنا معه كون القضية _وفقاً للكاتب_ ليست فصائلية إنما وطنية وقضية أمة إسلامية».
تكمل الصحيفة مقاربتها العجائبية بزعمها أن إيران صنعت أحزمة انتحارية تهدف لتدمير غزة بالريموت كونترول، يقول الكاتب: «وأصبحت المظلومية المفتعلة والمزايدة بشعارات القضية الفلسطينية أحد مرتكزات العقيدة الطائفية الإيرانية من خلال استقطاب الفصائل الفلسطينية؛ وأبرزها حماس والجهاد اللتان انضوتا تحت لواء فيلق القدس الإيراني وأضحتا ذراعين لمشروع نظام قم الإقليمي، الذي دعم الفصائل بالمال والسلاح لتدمير غزة بالريموت كنترول من قم التي ترغب من خلال دعمها للفصائل الفلسطينية أن تُظهر نفسها داعمة لما يسمى مشروع المقاومة وليس مشروعاً طائفياً على حد زعمها»
المقال الذي نشرته «عكاظ» بعد ستة أيام فقط من وقف اطلاق النار، لم يكن المقاربة السعودية الأولى للحرب، ففي اليوم العاشر من العدوان، نشر طارق الحميد وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط»، مقالاً بعنوان: «غزة والتقصير العربي» (رقم العدد 15513). ومع أن العنوان يشعر القارئ بأن الحميد، يدين قصور الدور العربي الذي ينحصر في جانب إدانة الاحتلال، إلا أن الكاتب يفاجئ قراءه بمطالته بإدانة حماس وفصائل المقاومة بنفس القدر الذي يدان فيه الاحتلال. يقول الحميد: «نعم نحن أمام تقصير عربي حيال ما يجري في غزة، ولا يكفي أن يكتفي العرب بإدانة العدوان الإسرائيلي، فالمطلوب أكثر. المطلوب هو إدانة «حماس» أيضاً (...) حيث من غير المقبول، أو المعقول، استرخاص الدماء الفلسطينية هكذا. ولو أدان العرب «مغامرات حماس» مثلما أدان إسرائيل لتغيّرت أمور كثيرة»
ويكمل الكاتب وجهة نظره التي لم يفته أن يذكر جمهوره خلالها بـ «الموقف السعودي الحكيم» الذي أدان «مغامرة حزب الله عام 2006»: «فمن غير المعقول تجريب المجرَّب، وتكرار الأخطاء والعبث، والمتاجرة بالدم الفلسطيني. والقصة لمن لم يتابع، بدأت بتصعيد إسرائيلي عنصري في حي الشيخ جراح، وتعاطف العالم حينها مع الفلسطينيين، تبعه بعد ذلك تصعيد في القدس، والجميع كان يدين إسرائيل، وفجاءة بلا مقدمات أُطلقت الصواريخ من غزة».
الهجوم الإعلامي السعودي على القطاع، تزامن من حيث التوقيت مع تصدر مشهد الجرائم الإسرائيلية في القطاع، صفحات الصحف العالمية، وحتى بعض الصحف الإسرائيلية التي أرادت وفق ما يرى محللون أن تتبرأ من «إجرام الدولة» وتصدّر صورة الدولة الديمقراطية التي تدين جرائم جيشها أمام العالم، إذ نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية على رئيسيتها صورة لـ 67 طفلاً استشهدوا خلال العدوان، وفي السياق، أفردت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» مساحة يومية في صفحاتها للحدث الفلسطيني.
كما لم يتوقف الهجوم السعودي عند هذا الحد، فقد خصصت «عكاظ» رئيسيتها مجدداً للنيل من صورة المقاومة، ونشر الصحافي ذاته مقالاً بعنوان: «حماس والجهاد بنوك للهبات الإيرانية: الاقتيات على سلاح الملالي .. خيارات الحرب وحسابات الحقل والبيدر». وفي هذا المقال الذي نشرته «عكاظ» في 31 أيار (مايو)، يفتح الكاتب السعودي النار على حماس ومحور المقاومة، بسبب احتفائهما بالإنجاز الذي تحقق خلال الحرب، يقول: «نشاهد نشوة في أوساط حلف الممانعة التي لم ترمِ حجراً أو تطلق رصاصة على العدو الصهيوني، وسعادة في محور يعرف بتجار المقاومة، الذين يتحدثون عن البطولات التي أنجزت وهناك اتفاق حول الموضوع إلا أن الاختلاف يكمن في أن تجار المقاومة أصبحوا يقتاتون من خلال الصواريخ التي يطلقونها على إسرائيل والمواقع التي وصلت إليها وخطورتها والإصابات التي تتسبب فيها وعمق الارتباك في المجتمع الإسرائيلي».

إسرائيل: سنصمت ولتكمل «عكاظ» المهمة
ما سبق استعراضه ليس سوى القليل من المعزوفة التي تواصلها الصحف السعودية ولا سيما «عكاظ» تجاه غزة، إذ تحفل المواقع المغمورة منها والمعروفة، بالعشرات من التحليلات التي تتهم المقاومة بـ «العمالة» لإيران تارة، وتسخف من انتصار المقاومة تارة أخرى، لكن التحفيل السعودي على فصائل المقاومة، لم يبدأ عقب هذه الجولة وخلالها فقط، فقد تبدت مظاهر الانقلاب في السياسات التحريرية منذ تولى سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة. صحيح أن العلاقة مع فصائل المقاومة ظلت حتى قبل العام 2015 غير مريحة، إلا أن الخطاب الإعلامي الرسمي للمملكة في الحروب، كان يركز على الجانب الإنساني، ويتجاوز الحديث عن الخلافات السياسية، إذ أفردت قناة الإخبارية السعودية في حرب العام 2014 مساحة واسعة ومباشرة لتغطية العدوان، كما كانت تطلق خلال تلك الحرب على الضحايا صفة «الشهداء»، الأمر الذي لم يعد قائماً اليوم.
ومنذ تولى محمد بن سلمان زمام المشهد السعودي، قدم «عكاظ» التي يتجاوز عمرها الـ 60 عاماً، للعمل كـ «رأس حربة» في الهجوم على القضية الفلسطينية، وللتصويب على فصائل المقاومة من بوابة علاقتهم بإيران، ويسجل عام 2017، أعلى مستويات «الفجور الإعلامي» بتاريخ الصحيفة، إذ تبنت في ذلك العام، المزاعم الإسرائيلية بقيام المقاومة بحفر نفق أسفل واحدة من مدارس وكالة الغوث. الخبر الذي نشرته الصحيفة السعودية واتهمت فيه المقاومة بالإرهاب، نال استحسان يوآف مردخاي وهو جنرال بارز في جيش الاحتلال، إذ قال معلقاً عليه: «إن إسرائيل أصبحت عاجزة عن شرح جرائم حماس في قطاع غزة، وبالتالي سنترك ذلك لصحيفة عكاظ السعودية لتقوم بالأمر».


استمسكي يا نخلة
رغم الحدة التي تناول فيها الإعلام السعودي الحدث الفلسطيني، إلا أن الصدى الذي تركته مقالات «عكاظ» و«الشرق الأوسط» لم يكن كبيراً. يمكن القول، إنّ الفصول التي قدمتها السعودية منذ تولى محمد بن سلمان زعامة المشهد السعودي، قللت حدة المفاجأة في الشارع الذي ربما لم يسمع أصلاً بـصحيفة «عكاظ» لغاية اليوم. أمر علق عليه محمد الطيف وهو ناشط شبابي في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أرفق مع تعليقه صورة لغلاف الجريدة السعودية: «الإعلام السعودي على كبر حجمه، يبدو حين يتحدث عن غزة _على صغر حجمها_ كالذبابة التي حطت على نخلة، ولما همت بالطيران، طلبت من النخلة أن تتمسك جيداً». يبرر كاتب المنشور رأيه شارحاً: «إن الإلتفاف الذي حققته القضية الفلسطينية عقب الحرب الأخيرة، وصل إلى جهات الكون الأربع، حتى أننا رأينا مظاهرات تدين الجرائم الإسرائيلية في مدينة طوكيو اليابانية فضلاً عن واشنطن، فمن تظن الصحيفة السعودية نفسها، هي لن تقنع حتى الشعب السعودي بما تنشره من هرطقات».
التوصيف الذي قدمه الطيف للحدث، بدا واقعياً للحد الذي لم تتناول أي من فصائل المقاومة ما نشرته الصحيفة السعودية، إذ لم تقدم «حماس» و«الجهاد الإسلامي» تعقيباً على المقالات التي تواصل الصحف السعودية استهدافهما بها، وهنا يعلق أحد العاملين في الدائرة الإعلامية للجهاد بالقول: «عكاظ ؟ أي أهو احنا فاضيين».
لكن الحدث الذي أعاد الصحيفة السعودية إلى واجهة المشهد الإعلامي في غزة، هو قيامها وهي التي احتفلت عام 2017 بمرور 60 عاماً على تأسيسها، باستخدام صورة صحافية ظهر فيها أحد المقاومين وهو يسلم باليد على طفل في عرض عسكري للمقاومة، وقد علقت عليها في صفحتها الرئيسية بعبارة: «غسيل عقول أطفال غزة» بشكل غير قانوني، إذ لم تراعٍ الصحيفة التاريخية حقوق النشر، ولا السياق الذي التقطت فيه الصورة، ما دفع المصور الصحافي عطية درويش، لإصدار بيان للرأي العام، استنكر فيه قيام «عكاظ» باستخدام صورته من دون الرجوع إليه وطلب الإذن منه، عملاً بالأصول المهنية، واحتراماً لمبادئ الصحافة والإعلام، إذ قال درويش: «استغرب واستنكر أيضاً ارفاق وصف غير واقعي مع الصورة التي تم التقاطها كتعبير عن مساندة الشعب الفلسطيني لمقاومته في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة».

مشهد معقد
تعكس الطريقة التي تحدث فيها الإعلامي السعودي عن المقاومة في غزة، الموقف الرسمي للمملكة من الفصائل المقاومة، الذي يشهد منذ سنوات توتراً متصاعداً، إذ قطعت السلطات السعودية علاقتها بـ «حماس» بشكل تام، وتعدت السياسيات السعودية القطيعة الدبلوماسية إلى العداء المباشر، إذ اعتقلت القوى الأمنية في المملكة في كانون الأول (ديسمبر) 2019 القيادي الحمساوي محمد الخضري، الذي شغل طوال عقدين، موقع منسق العلاقة بين السلطات السعودية و«حماس»، بالإضافة إلى 60 فلسطينياً آخرين، بجريرة علاقتهم بالفصائل المقاومة.
وكان الناطق باسم «حماس» حازم قاسم قد أكد في تصريحات صحافية سابقة، إن الخضري كان يعمل بشكل علني في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني، وكان على صلة على مدار عشرين عاماً مضت، بالمسؤولين السعوديين، وأنشطته تتم بمعرفة وترخيص من السلطات.


مصادر التقرير:
المتآمرون ينكشفون – مقال بتاريخ 26 / 5
https://www.okaz.com.sa/news/politics/2069787

الاقتيات على سلاح الملالي .. حسابات الحقل والبيدر 31/5

https://www.okaz.com.sa/news/politics/2070314

غزة والتقصير الإعلامي 19/5
https://aawsat.com/home/article/2980486/%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF/%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A

الفصائل الفلسطينية الضرر الأكبر للقضية الفلسطينية 23/ 5
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2069402
يؤاف مردخاي يبارك جهود عكاظ 2017
https://shehabnews.com/post/14488/%D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84-%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A-%D8%B3%D9%86%D8%B5%D9%85%D8%AA-%D9%88%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%B9%D9%83%D8%A7%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D8%AD-%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3