لا ريب أنّه بعد الأداء العالي للدراما المصرية خلال رمضان الفائت، خصوصاً مع مسلسلات من نوع «نسل الأغراب»، بات لزاماً على الدراما المشرقية (السورية، اللبنانية) أن تعود إلى ساحة السباق. يأتي مسلسل «دور العمر» للمخرج سعيد الماروق، وكتابة ناصر فقيه ومن بطولة سيرين عبدالنور، ومن انتاج منصّة «شاهد» السعودية -لربما- محاولةً في هذا الإطار لتقديم عملٍ دراميٍ يختلف. الماروق القادم من عالم الكليبات والأفلام، يدخل هنا هذه تجربته الأولى في عالم المسلسلات. الماروق الذي درس الإخراج في يوغوسلافيا (قبل انفصال دولها) وألمانيا، نجح كثيراً في تقديم مغنين معروفين ككاظم الساهر ووائل كفوري بصورةٍ تختلف عن سابقهم، يحاول هذه المرة تقديم مسلسلٍ أشبه بالفيديو كليب منه إلى المسلسل التقليدي المعتاد. يزامله في هذا -أي دخول عالم المسلسلات- ناصر فقيه، الذي ازدهرت شهرته في تلفزيون «المستقبل» من خلال برامج كوميدية خفيفة كان من أهم أبطالها عادل كرم الذي يتولى بطولة مسلسل «دور العمر». تروي قصّة المسلسل، حكاية الممثل التلفزيوني فارس (عادل كرم) وسمر (سيرين عبدالنور). في الحلقتين الأولى والثانية، يدخلان في علاقة «مختلفة» بعض الشيء، حينما تداهم سمر فارس وهو يغسل وجهه في حفل افتتاح مسلسله الذي يؤدي فيه شخصية شهيرة تدعى أمير وتلقّب بـ «الجلاد». سمر ترفع مسدساً على فارس وتهدده، لتفر بعدها ساخرة منه لكونه جباناً، وليس الشخصية التي يؤديها. بعدها يكتشف بأنّها ابنة أحد منتجي العمل الذي يقوم ببطولته. سرعان ما تتطوّر العلاقة بينهما لتدعوه إلى منزلها. يكتشف المشاهد لاحقاً بأنها مصابة باختلال نفسي، وكعادة المسلسلات اللبنانية لا نعرف ما هو هذا المرض، ولا تفاصيله، وأنّها كانت تتعالج في مصحات في سويسرا. المشاهد يكمل رحلة الاكتشافات مع أمير الذي قتل والده الذي كان يعنّف والدته إبان طفولته.
مساوئ المسلسل هي ذاتها مساوئ المسلسلات اللبنانية منذ البدايات: السيناريو الهش والضعيف، خصوصاً في حوارات الأبطال. مثلاً نجد الأبطال يتحدّثون بلغةٍ تقريريةٍ في مشاهد بسيطة: والدة تريد من إبنتها تحسين علاقتها مع والدها: «لازم تخففي هالعدائية تجاهه»؛ البطلة تسأل: «ليش»، الأم تجيب: «لإنه بيك». مثال آخر: المشهد الذي يتحدث فيه البطل مع صديقه/ سائقه فيسأله لماذا كنت تلبس ثياب الشرطة أثناء لعبنا ونحن صغار: «لإني بكره الظلم، لإني بحب الحق». هل هناك مشهد «كليشيه» أكثر من هذا؟ ينسى كاتب عمل مماثل، أن تصوّر الخبر والشر عند الأطفال مرتبط بوعيهم: كأن يحبوا اللصوص لمحبتهم لروبن هود، أو يحبوا الشرطة لارتباطها ببطلٍ تلفزيوني في ذهنهم وهكذا. منطق الأطفال لا يتحدد كمنطق الكبار «بجملٍ خلبية لا معنى لها» كالتي قالها البطل. مشاهد مماثل كان ينفع أن يحدث قبل عشرين عاماً، لكن اليوم مع تطوّر الدراما العربية والغربية كثيراً، لم تعد هذه المشاهد «المسطحة» مقبولة. في الإطار نفسه، يتم إهمال التفاصيل التي تجعل أي عمل «يتصل» بمشاهديه: الأبطال مسطحون، لا أبعاد شخصية بخلاف التي تخدم القصّة. الأمر نفسه ينسحب على «المرض النفسي» الذي تعانيه البطلة. بدا الأمر أن المخرج كما الكاتب لا يعرفان أدنى/ أبسط المعلومات حول هذا النوع من الأمراض، إذ يبدو بوضوح أنّ البطلة تبدو تدّعي المرض النفسي، حتى إبان علاجها، فيما طبيبها النفسي مدهوش مما تفعله، على الرغم من أنه مرت عليه حالاتٌ كثيرة مشابهة بحكم عمله. نقطةٌ أخرى تضاف إلى أخطاء المسلسل هو الحديث عن العلاقات المتداخلة الهامشية، كالعلاقة التي تجمع بين والد البطلة وخالتها (شقيقة والدتها). كم عدد هكذا علاقات المتواجدة في مجتمعنا؟ البطل الذي قتل والده، والبطلة التي تحتقر والدها (قد يكون قد اغتصبها ولهذا تكرهه، وهذا ليس مستبعداً على هكذا نوع من القصص)، فعلياً كم عدد هذه القصص في مجتمعاتنا؟ كذلك قصّة أخت البطل التي تغدو حاملاً من حبيبها؛ والصراع الأبدي حول هذه القصة الممجوجة والمستهلكة والمعادة والمكررة ملايين ومليارات المرات في الدراما العربية. كليشيه آخر يحدث حينما يتحدّث البطل مع حبيبته لتقارن نفسها بشقيقته، فينهر بها صارخاً «بشرقية» (حسبما يريد المخرج والكاتب تصوير الشرقية) متخلّفة: «اوعى تجيبي سيرة اختي». ماذا عن زوج البطلة السابق مدمن القمار الذي يقرر «بيعها» على احدى طاولات القمار. مشكلة الكليشهات، أنها تظهر «كسل» صنّاع العمل، إذ إن الكليشهات والاعتيادية هي أسهل شيء؛ هي لا تحتاج أي جهد أو تفكير، مثلاً حتى في اختيارهم لأغنية كي ترقص عليها البطلة، اختاروا Fever المتكررة المعتادة، هل كان متعباً جعل بطلهم «متفرداً» من خلال أغنية غير مطروقة كثيراً للمشاهدين؟
أدائياً، يجب نصح سيرين عبدالنور أن تتوقف نهائياً عن رفع صوتها في أي عمل، إذ يصبح حاداً أكثر من اللازم. هي تفقد أي صلة لها بالمشاهد حينما تبدأ بالصراخ. في الإطار عينه، عليها أن تذهب لأخذ دورات في التمثيل لدى محترفين، إذا ما أرادت فعلاً أن تكمل في هذا المجال. هي فعلياً تحاول في هذا العمل، وهذا يحسب لها؛ لكن إذا ما أرادت أن تصبح ممثلة محترفة، عليها أن تؤدي لا أن تبقى مجرّد فتاةٍ جميلة. عادل كرم بدوره يتأرجح في أدائه كثيراً، ينجح في اعطاء الشخصية مراتٍ بعضاً من جمالية، لكنه يفشل في كسر جموده في نواحٍ كثيرة. هو أيضاً بحاجة لتدريب أدائي لدى مدربين محترفين وهذا الأمر ليس عيباً، ولو كان الممثل معروفاً ومشهوراً، فمارلين مونرو مثلاً كانت تتدرّب وهي ممثلة مشهورة وتتقاضى أجوراً مرتفعة. إخراجياً، يمكن القول بأن الماروق يحاول كثيراً استخدام حرفته في الفيديو كليب (خصوصاً في الحلقة الأولى) لتقديم بطلة مبهرة، جذابة، مرغوبة، وهو ما نجح فيه. يتحرّك الماروق كمخرج جيد، لكن نص العمل متكرر ومستهلك لا في قصته التي تحاول أن تكون مختلفة؛ إنما في التفاصيل التي هي أساس العمل وأصله.
«دور العمر» عملٌ لا يمكن الحكم عليه بشكلٍ مطلق من خلال حلقتين، على الرغم من أنه مسلسل ليس بطويل (بحسب المنتجين هو عشر حلقات فحسب)؛ لكن كما يقولون: «المكتوب باين من عنوانه». في المحصلة؛ يحتاج الماروق وفريق عمله كتّاباً وممثلين لأن يقوموا بأحسن من هذا كي ينافسوا الدراما المصرية أو السورية، إذا ما أرادوا ذلك فعلاً.