لم يكن ينقص اللبنانيين سوى دخول العدوّ الصهيوني على خطّ أزمتهم المعيشيَّة بشكل علنيّ وسافر. وإن كان العدوّ لم يوفّر وسيلةً للعبث بأمن واستقرار هذا البلد الذي ألحق به شرّ هزائمه، فإنَّه كان يحرص غالباً على البقاء في الظل ما أُتيح له ذلك. وعلى أيّ حال، فإنَّ من السذاجة توقّع أنَّ من لم تسلم الفلافل والحمّص بطحينة والتبّولة من انتهازيّته، سيتأخَّر في استغلال أزمة مماثلة وتجييرها لصالحه. ففي الوقت الذي ينتظر فيه اللبنانيّون، وفي طليعتهم الشريحة الأكثر تأثراً بالأزمة الحاليَّة، من موظَّفين وعمّال وذوي دخل محدود، استماع المعنيين في بيروت إلى صرختهم المتصاعدة وشكواهم المتزايدة التي وصلت إلى حدّ انتحار عنصر أمنيّ الأسبوع الفائت، فإنَّ هذه الصرخة سُمِعَت قبلاً في تل أبيب، أو أقله هذا ما يمكن استنتاجه من ردَّات الفعل على المقلبَين.
تحت عنوان «العائلة أوَّلاً: رزق عائلتك بالاحترام» و«نحنا هنا لكي نسمعك»، نشرت الصفحة الرسميَّة التابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي على فايسبوك مقطع فيديو مموَّلاً ومعدّاً لاستهداف روّاد فايسبوك في لبنان تحديداً، عبر الاستعانة بخوارزميَّات الموقع، داعيةً إيَّاهم إلى التواصل معها، وزاعمةً أنَّ «التشات آمن ومحمي».
الفيديو يُستهَلّ بعبارة «بدّك تتواصل معنا ولكنك متردّد أو خائف؟»، قبل أن يبدأ بشرح كيفيَّة التواصل مع الموساد بشكل «آمن ومحمي ومضمون» من خلال الدخول إلى صفحته الرسميَّة عبر كتابة الكلمة في خانة البحث باللغة الإنكليزيَّة والتأكّد من وجود العلامة الزرقاء بعد ظهور النتائج، تلافياً للوقوع في فخّ الصفحات الوهميَّة. ولا ينسى مُعدّ الفيديو تحذير المتابع من الضغط على زرّ «الإعجاب بالصفحة» أو زرّ «المتابعة» للحفاظ على أمنه الشخصي وسريَّة التواصل، مع شروحات تقنيّة تفصيليَّة لإجراءات إضافيَّة تضمن عدم انكشاف أمر هذه الرسالة ومرسلها، وتأكيد ختاميّ على اهتمام الموساد بأمان كل من يتواصل معه.
الهجمة ليست وليدة السَّاعة بطبيعة الحال، فمنذ المحطات الأولى في مسار الأزمة اللبنانيَّة نظرت إليها اسرائيل كتحدٍ وفرصة في آن، ورأت فيها الآمال والمخاطر معاً، فعملت جاهدة لتفعيل الأولى وإبعاد شبح الثانية، ولكن وصول العدو إلى هذه المرحلة يستوجب منّا مواجهة مفتوحة على أكثر من مستوى: أمني عبر استخدام كل التقنيات المتاحة لرصد ومتابعة كل محاولة تواصل لبنانيَّة مع العدو، وإعلاميَّة توعوية تعيد التذكير بالثوابت وبخطورة الموضوع وتداعياته على كافة الصعد والتحذير من مغبّة الانزلاق إليه. أمَّا المستوى الثالث والأهمّ فهو العودة إلى أصل المشكلة الاقتصاديَّة - الاجتماعية والسعي إلى وقف تفاقمها أوَّلاً، ثمَّ الاجتهاد في إيجاد حلول لها تحول من دون سقوط الشباب اللبناني في مستنقع العمالة الآسن بذريعة «لقمة العيش»