كان بالإمكان إنتظار الحلقات اللاحقة من برنامج «فشة خلق» (كل خميس 21:30) الذي إنطلق أمس على قناة «الجديد» وتقدمه داليا أحمد، للوقوف على الفكرة والمحتوى المبتغى من العمل التلفزيوني. لكن يبدو أن البرنامج يقرأ من عنوانه، فالعمل الذي يريد عنوانه القول إنّه يريد التعبير العفوي عن حالة الضيق من الوضع العام في لبنان، إنما ينطوي على تضليل الرأي العام في الملفات السياسية المحتدمة في لبنان. هكذا، ركبت داليا موجة المقدّمين الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم «ساخرون»، وإنضمت إلى جوقة المطبّلين في القضايا الداخلية الساخنة. ولم يكن ينقص الشاشة الصغيرة سوى برنامج «ساخر» جديد، لا يعكس هموم المواطنين أو أوضاعهم المتأزمة! وصلت أحمد متأخرة إلى البرامج الساخرة، فكانت نسخة ثالثة منقّحة عن هشام حداد الذي يقدم برنامج «لهون وبس» على قناة lbci، وبرنامج «حكي صادق» لديما صادق على mtv. أحمد بدّلت كرسيها من تقديم نشرات الأخبار على «الجديد» إلى المشاريع التلفزيونية التي تستعرض فيها التطورات، لكن هذه المرة لفتح ملفات حساسة وإتباع أسلوب التهكّم بعيداً عن الموضوعية أو نقل الوقائع. فقد إفتتحت عملها، بحلقة تتضمن جولة على القضايا الاساسية، ألا وهي ملف تعيين القاضي طارق بيطار الذي يقود التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت 2020، والذي يشهد أداؤه إنقساماً. لكن أحمد نصّبت نفسها محامية عن القاضي، لتضليل الرأي العام، وراحت تستعرض طفولة ومراهقة البيطار المتواضعة، ولعبت على مشاعر المشاهدين بنقل معلومات شخصية عن القاضي لا تخدم ملف التحقيقات ولا تجيب على أسئلة الانقسام حول القاضي. بعينين جاحظتين وحركة يدين يميناً وشمالاً، تفاجئ المقدمة المتابعين بأن القاضي لا يملك بيتاً في مسقط رأسه في طرابلس (شمالي بيروت)، ولم يقم عرساً يوم زفافه!. لكن المقدمة لم تتوقف عن هذه المعلومات «القيمة» لاستقطاب التعاطف مع البيطار وتصويره بأنه «نظيف الكفّ»، بل إستكملت حديثها بمهاجمة المسؤولين في «حركة أمل» و«حزب الله» الذين يطرحون علامات إستفهام على أداء القاضي، ووجهت إتهاماً إلى مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، بتهديد القاضي بعدما وصفت الأخير بأنه «الشبح» الذي يطاردهم! بأسلوب بعيد عن خفّة الدم التي تتطلبها هذه البرامج الساخرة، أطلت أحمد بحركات يد وإيماءات وعبارات تقترب من الردح على طريقة «باب الحارة»، ونصّبت نفسها الوالي والآمر في الملفات. وجّهت رسائل سياسية مبطنة، فحولت البرنامج الساخر إلى هدف سياسي واضح يخدم توجهات قناة «الجديد» التي لم تتردّد يوماً في أخذ طرف في التجاذبات السياسية الحاصلة. وكي تزيد من وتيرة البرنامج وإنطلاقته بحلقته الأولى، لا بدّ من الكلام عن الرئيس ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وقانون اقتراع المغتربين اللبنانيين في الخارج وتأثيرهم على المعادلة الداخلية للانتخابات النيابية المتوقعة في شهر آذار (مارس) المقبل. هنا، قلبت أحمد كل التوقعات، بإستضافتها عبر تطبيق zoom احدى المغتربات التي اتهمت باسيل وعون بـ «سرقة أموال الشعب»، لتعدنا أحمد بأن المغتربة ستطل أيضاً في الحلقة الثانية من البرنامج! باختصار، كما كان متوقعاًـ فإن برمجة قناة «الجديد» الخريفية الحالي لن تكون «عفوية»، بل موجّهة بدأت بالتجييش مع إقتراب موعد الانتخابات النيابية، ومهاجمة طرف على حساب آخر لتضليل الرأي العام.