انطفأ أوّل من أمس في دمشق وليد معماري (1941 ــ 2021) بمراياه المتعدّدة، ذلك أنّ صاحب أشهر عمود في الصحافة السورية «قوس قزح» كان حنجرة الفقراء، وساعي بريد المقهورين، وصانع خبز المحبة، ومحبرة تستمدّ حبرها من استغاثات الشارع في المقام الأول. على المقلب الآخر، كان وليد معماري كاتباً غزيراً في القصة وأدب الأطفال والمسرح والسينما والإذاعة، منذ سبعينيات القرن المنصرم إلى آخر أيام حياته، لكنه لم يلفت انتباه النقّاد جدّياً إلى تجربته إلا متأخراً، حين أصدر مجموعته القصصية «الرجل الذي رفسه البغل» (1988). قصص تنتسب إلى الأدب الساخر بامتياز، وكأنّه عزيز نيسين سورياً لجهة الالتقاطات المشعّة في تعرية أحوال الكائن البشري. لاحقاً سيلتفت بجديّة إلى كتابة قصص الأطفال، إذ أصدر عشرات العناوين مثل «شجرة السنديان»، و«أحلام الصياد الكسول»، و«مغارة الأسرار».
يروي صديقه وزميله حسن م. يوسف المفارقة التالية التي تختزل صورة الكاتب الراحل:
«في بدايات تعارفنا قرأت نصاً لوليد معماري عن شخص ذهب إلى عيادة طبيب نفسي لأنه يعاني من شعور عميق بالكآبة، ولما شرح الرجل حالته للطبيب، سحبه الطبيب من يده نحو النافذة، وأشار إلى خيمة سيرك تلوح على بعد مئات الأمتار، قائلاً: في هذا السيرك يوجد مهرّج يُضحك قلب الحجر، اذهب وشاهد العرض الذي يقدمه ذلك المهرج، فهو أفضل دواء لك.
عندها أطرق الرجل الكئيب أرضاً وقال بصوت منخفض:
– أنا ذلك المهرج.
نعم لقد عاش وليد معماري حياته يترجم دموعه إلى ضحكات، لكنه اليوم يُحوِّل كل ذلك الفيض الباهر من الضحك الطيب الذي راكمه في داخلنا إلى دموع».
رحل صاحب «دوائر الدم»، و«اشتياق لأجل مدينة مسافرة»، و«تحت خط المطر» محتفظاً بصورة الرجل الذي لم يُطعن بشرفه يوماً.