تشكّل التغطيات الإخبارية في الأماكن الساخنة تحدياً كبيراً لدى المراسلين الذين يعتبرون هذه التجربة بمثابة فرصة لإثبات جدارتهم الصحافية بسبب ما تحويه من صعوبات ومخاطر. فالعمل تحت الضغط وفي ظروف تتّسم بالخطورة المباشرة، سمة لا يملكها أي إعلامي. يحتاج ذلك إلى جهد مضاعف وكبير قد لا يحبّذه كثيرون من أهل «مهنة المتاعب». في هذا التحقيق، نضيء على بعض التجارب لمراسلين عرب يتولون تغطية الحرب الأوكرانية الروسية. «أين سيقع الصاروخ التالي؟» هكذا يعبّر الصحافي في قناة «الميادين» عباس صباغ عن يومياته في مدينة كييف، هو الذي كان متواجداً في أوكرانيا قبل اندلاع الحرب بأسبوع تقريباً (بدأت الحرب في 24 شباط/ فبراير). يمتلك صباغ تجربة طويلة في تغطية الحروب والانفجارات والأحداث الساخنة، منذ أن بدأ مسيرته المهنية، فقد واكب عشرات الأحداث على مدى أكثر من 15 سنة داخل لبنان وخارجه. يصف لنا الأوضاع في أوكرانيا بالصعبة، حيث تغطيته تحوي الكثير من الخطورة بسبب عدم اتّضاح المشهد، خصوصاً في بداية الحرب، وحيث الاستهداف بالقصف المباشر لم يستثنِ حتى المؤسسات الإعلامية، مثل قصف مبنى التلفزيون الأوكراني الرسمي في كييف، ما أدّى إلى سقوط ضحايا. واكب صباغ تفاصيل الهجوم الروسي على أوكرانيا عبر عشرات التغطيات الإخبارية التي امتدّت لأسابيع من خاركيف إلى فالنافاخا وكراماتورسك وماريبول وكييف وفينيتسيا وخميلنيتسكي ومن ثم لفيف. كما عبر مئات الكيلومترات بين المحافظات والمدن الأوكرانية في أجواء شديدة البرودة. من ضمن التحديات الكبيرة التي واجهته وزملاؤه في فريق العمل، فقدان المواد الغذائية من المحلات التجارية، وانقطاع المحروقات والزحمة الخانقة على محطّات الوقود، وفرض حظر تجوّل استمرّ أحياناً ثلاثة أيام، ما قيّد عمله كمراسل ميداني يضطر للخروج من أجل نقل الرسائل المباشرة والوصول إلى المواد والوسائط اللازمة لتزويد المؤسسة الإعلامية بها.
ينقل صباغ مشاهداته لتفاصيل الحرب متحدّثاً عن مآس كبيرة حيث رائحة الموت والدمار تملأ المدن الأوكرانية. ملايين الأسر تهجّرت من منازلها، أطفال، نساء وعجزة خرجوا مرغمين مثقلين بالدهشة والذعر مما حصل وبالترقّب لما سيأتي.
التنقّل بين المدن الأوكرانية كان أمراً محفوفاً بالمخاطر، بسبب القصف الروسي المستمرّ للمنشآت والطرق والمباني السكنية. ليس معلوماً متى يصبح الفرد الضحية التالية. أمّا تسعيرة التنقل، فقد كانت باهظة بسبب استغلال ظروف الحرب، وهو أمر طبيعي يحصل في الأحداث الأمنية والعسكرية المتوترة.
أمّا إدمون ساسين في lbci، فقد قصد الحدود الأوكرانية-البولندية بعد أيام على اندلاع الحرب من أجل تغطية قضية اللاجئين والمهجّرين بشكل أساسي. هناك، نقل معاناة النازحين من منازلهم في ظروف إنسانية مضنية. كانت هناك حالات صعبة لمرضى وأطفال ومسنّين اضطروا للانتظار ساعات على المعابر من أجل تجاوز الحدود والانتقال إلى الأماكن الآمنة.
في حديثه معنا، يُشير ساسين إلى أهمية أن يتمتع الصحافي بصفات معيّنة من أجل تأدية عمله أثناء التغطيات مثل سرعة البديهة والصبر والتحليل، إضافة إلى المهارات الصحافية كاللغة والمونتاج وإجادة استخدام الفضاء الرقمي والإنترنت. فالعمل الصحافي يعتمد بالدرجة الأولى على التقييم الذاتي للأمور والحدس والربط بين الأحداث. الموضوع مرتبط بحكمة فريق العمل الذين يقدّرون المصلحة حسب الظرف. يعتبر ساسين أنّه في الحروب عامّة، لا توجد جهات تستطيع مواكبة عمل الطواقم الصحافية. بطبيعة الحال، فالأحداث الأمنية والنزاعات العسكرية تشوبها حالات كثيرة من الخطورة والفوضى والهرج والمرج. وبرغم هذه الصعوبات، هناك نوع معيّن من الصحافيين يميلون إلى هذه التغطيات ويمتلكون شغفاً كبيراً لمواكبة الأحداث الساخنة، ويشعرون بتميّز وفرادة في التجربة، ما يجعلهم يحسّون بتقدير ذاتي كبير. وبعضهم تكون هذه التغطيات بمثابة حلم لهم.
عن أهمية الإجراءات الرسمية أثناء التنقل، يؤكّد ساسين على أهمية إجراء الاتصالات مع المصادر الرسميّة المعنيّة حسب طبيعة الموضوع، من أجل معرفة الطرقات والمعابر وخريطة المنطقة المتواجد فيها فريق العمل بهدف اتخاذ الخطوات التي تضمن حسن سير عمل التغطيات والمواكبة الإعلامية.
أما رامز القاضي من قناة «الجديد»، فقد قصد الحدود الأوكرانية – البولندية بعد أسبوع من بدء الغزو العسكري لأوكرانيا. نقل وقائع النزوح القسري عبر الحدود لملايين المواطنين الأوكرانيين الذين لجأوا إلى الدول المجاورة مثل بولندا ورومانيا.
يروي القاضي لنا عن المأساة الإنسانية بسبب الحرب القاسية وما خلّفته من دمار وتهجير وخوف لدى الملايين الذين اضطروا للانتظار أياماً في البرد القارس على الحدود الأوكرانية –البولندية كي يحصلوا على تأشيرات تمكّنهم من اللجوء، ريثما تتّضح صورة المشهد في أوكرانيا. وقد فتحت السلطات البولندية مئات المراكز العامّة والمجمعات التجارية لاستقبال المهجّرين الأوكرانيين وتأمين مستلزماتهم الضرورية من مأكل ومشرب وطبابة.
وعن دور فريق العمل الموكل بالمهمة من قبل المؤسسة، يشدّد القاضي على ضرورة أن يتحمّل المراسل المسؤولية لإيصال الرسائل والحصول على المعلومات والأخبار لرفد التلفزيون بها بسرعة ودقّة ومهنية عالية. الأولوية هي لنقل الحدث والصورة الفعلية لما يحصل. بقي القاضي حوالى عشرة أيام في مهمته، متنقلاً بين مناطق حدودية عدة وصولاً إلى وارسو.
المطلوب من الصحافي الابتعاد عن «الاستعراض» أثناء التغطية، وتوخّي الدقّة والمهنية العالية


بحسب المراسلين، المطلوب من الصحافي الابتعاد عن «الاستعراض» أثناء التغطية، وتوخّي الدقّة والمهنية العالية، وعدم الخوض في «الإثارة الزائفة»، من أجل تحقيق أكبر قدر من المهنية والكفاءة والنجاح في المهمة الموكلة إليه. وهنا نستذكر بعض المؤسسات الإعلامية الغربية التي أثارت تغطيتها للمأساة الإنسانية في أوكرانيا، الكثير من النقد والاستنكار في العالم. إذ وشجبت أصوات عديدة العنصرية الضمنية أو حتى العلنية والصريحة التي اتّسمت بها تعليقات صدرت عن إعلاميين ومحللين سياسيين غربيين في وسائل إعلام أميركية وأوروبية كبرى. وهذا يوضح مقدار انتشار التحيّز والعنصرية البغيضة التي تتعارض مع القيم الأخلاقية والقواعد المهنية للإعلام.