في زمن الانهيار الشامل، تحطّ الانتخابات النيابية كموعد ثابت يُستفتى فيه اللبنانيون لتقرير من سيمثّلهم في البرلمان، فيما تُطرح إشكاليات حول العملية الانتخابية الإعلامية، وسبل مراقبتها وتعقّب سير المرشحين وإعلاناتهم الدعائية وإنفاقهم الانتخابي. فقد ألقت الأزمة الاقتصادية بثقلها على القطاع الإعلامي كما على المرشحين، وتأثرت بورصة الأسعار لتُحتسب بالملايين بدل المئات التي كانت ثابتة في المرحلة السابقة، على سقوف هذا الإنفاق. دخل مصطلح «الفريش دولار» بقوة هذا البازار، في ظل المنافسة الشرسة بين القنوات وأيضاً كورقة أساسية لشدّ العصب لدى الناخبين وتحريضهم. فقد أغرق الإعلام التقليدي نفسه بمساحات انتخابية هائلة، صرعت رؤوس اللبنانيين، وكرّست سياسة الانحياز السياسي في ظل تغييب تكافؤ الفرص في الظهور الإعلامي لدى الأحزاب والفئات المشاركة في الاستحقاق النيابي لصالح الترويج لما يسمى بـ«قوى التغيير». الإعلام اللبناني الذي دخل البازار الانتخابي ورهن شاشاته للمرشحين وأموالهم التي وصلت فيها الدقيقة الواحدة إلى أكثر من خمسة آلاف دولار بحسب مراقبين انتخابيين، وازاه عالم آخر تفاعلي إلكتروني، نشط بقوة في زمن الانتخابات. إذ إن المراقب يستطيع بسهولة تعقّب هذه الحركة سيّما على تويتر، الذي شكّل ساحة ترويجية هائلة للمرشحين وإن بدت بعض هذه المساحات مضلّلة ووهمية، إلى جانب انخراط بعض الوجوه الإعلامية في اللعبة الانتخابية وطرح برامج خاصة بها على هذه المنصات لاستضافة مرشحين. أما فايسبوك، فقد شكّل متنفساً أساسياً للمرشحين، مع استخدام هؤلاء خاصية الترويج الدعائي عبر صفحاتهم الخاصة، وسط قيود فرضها الموقع الأزرق بدأت مفاعيلها تتبدّى في آذار (مارس) الماضي، بإلزام المرشحين الذين يلجؤون إلى الإعلانات المدفوعة، إلى تقديم بيانات شخصية خاصة بهم، لمعرفة هوياتهم كي يرصد بالتالي حجم إنفاقهم المالي، وأيضاً الشريحة التي يستهدفونها. هذه الآلية في تعقّب الترويج الانتخابي على أهميتها، فإنها تفلت في كثير من الأحيان من أيدي المراقبين بسبب تحايل هؤلاء المرشحين على فايسبوك، والاستعانة بصفحات غير رسمية للترويج لأنفسهم ولبرامجهم الانتخابية. اللجوء إلى المنصات الافتراضية، سيّما فايسبوك، أسهم بشكل كبير في خفض سقوف الإنفاق وميزانياته. إذ باتت كلفة الإعلانات الطرقية أعلى بكثير من تلك التي تُدفع على المنصات الافتراضية، إلى جانب سهولة انتشار الفيديوات والرسائل السياسية المدفوعة على هذه المنصات، ووصولها إلى شرائح واسعة من اللبنانيين. في موازاة حركة المرشحين، برز نشاط بعض الإعلاميين والناشطين، والمنصات الإعلامية التي «فرّخت» في زمن الانتخابات، وخلقت لها مساحات برامجية على السوشال ميديا ويوتيوب. مثلاً، ظهرت المراسلة السابقة في «الجديد» راشيل كرم ببرنامجها «مع مين؟» الذي يستضيف مرشحين ويخصّص لهم 180 ثانية فقط للإجابة عن الأسئلة المطروحة، وسط تعمّد تكريس سياسة الاختزال والاقتطاع لكثير من القضايا الحيوية، وإثارة الجدل حولها (تصريح شربل نحاس حول اللاجئين السوريين مثالاً).
منصات «فرّخت» وخلقت لها مساحات برامجية على السوشال ميديا ويوتيوب

إلى جانب كرم، برز مراسل otv السابق رواد ضاهر مع برنامج «بالمباشر» الذي حوّله إلى مساحة انتخابية تستضيف المرشحين. توازياً، خرجت منصات رقمية، اشتغلت على الموضوع الانتخابي، واستقبال المرشحين، مثل: lebtalks، وSpot shot video، و«الخبر»، و«سردة» وغيرها. بعض هذه المنصات استعان بتقنيات الغرافيكس والاقتضاب في أوقات الظهور الإلكتروني، وبتقنيات العالم الرقمي. ولا يمكن إغفال منصة «كلوب هاوس» وإن خفّ وهجهها في الأشهر الماضية. فالناظر إلى تلك المنصة، يلحظ حتماً حركة المرشحين والإعلاميين الناشطة لمناقشة قضايا متصلة بالانتخابات، والترويج للوائح الانتخابية أو لشخصيات فاعلة في هذا المجال وسط اصطفاف واضح يعزّز الانقسام السياسي الحاصل في البلاد.