بعد أفول نجم برنامج «تحقيق» على mtv، وتحوّله في الآونة الأخيرة الى فسحة إجتماعية اقتصادية، ها هو يعود الى سابق عهده، في حفلات التحريض والتزوير وشدّ العصب. فبعد الإنتهاء من حلقات أزمات الدواء والنزوح السوري، والبيئة والأخطاء الطبية، انتقل «تحقيق» الى عمق السياسة وشهر أول من أمس، أولى حلقاته عن القرار 1559، المتعلق بالإنسحاب السوري من لبنان، ونزع سلاح المقاومة. توقيت صائب ربما، لتسليط الضوء على القرار الدولي الذي ناهز عمره الـ18 عاماً، و«نبش» من خلاله الذاكرة اللبنانية المثخنة بالصراعات والدم في الحرب الأهلية وما تبعها من أحداث وليس انتهاء بالإحتلال الإسرائيلي الذي يمرّ البرنامج عليه مرور الكرام، ليصار من خلاله الى التحريض على المقاومة ووصفها بـ «الميليشيا»، وبـ «الدويلة التي ابتعلت الدولة» على حدّ قول معدة ومقدمة البرنامج كلود هندي. الحلقة التي استمرت لنصف ساعة تقريباً في جزئها الأول، تعمّدت «نبش» ذاكرة تخص الأفرقاء المسيحيين على وجه الخصوص، والتذكير بسردية «الإحباط» بعد «الطائف» و«المظلومية» و«مقاومتهم» للوجود السوري. هكذا، اختلقت الحلقة أرضية لبث مضمون لا يتصل مباشرة بعنوان الحلقة، بل سعت الى تشكيل رافعة لقوى «مسيحية» انتهت سياسياً اليوم، ولتلميع صورة شخصيات اتهمت بالإتصال بالعدو الإسرائيلي كما حال السياسي توفيق الهندي زوج معدة ومقدمة البرنامج. فقد استضافت الحلقة الهندي، كمحلل لتلك الحقبة في التسعينيات وما تبعها، وتعمدت نشر صور أرشيفية له في سجنه، لإثارة التعاطف معه، فيما تولى النائب السابق فارس سعيد مهمة، القول بأن الهندي «ركّب له ملف» قضائي وقتها. الى جانب تلميع تاريخ الهندي، خصصت الحلقة جزءاً عن المقاومة، مسقطة بالتوزاي أي حديث عن الإحتلال الإسرائيلي وغطرسته وتضحيات اللبنانيين في هذا الخصوص. فقد دخل «تحقيق» من بوابة يوم «التحرير» ليعتبر أنه يمثل «خروج آخر جندي اسرائيلي»، وأن «مزارع شبعا» وتلال «كفرشوبا»، «أقحمت» عمداً الى الخرائط اللبنانية، لتشكل «ذريعة» لإستمرار المقاومة. باختصار، لم تقدم حلقة «تحقيق» عن القرار الدولي أي جديد، باستثناء هجومها على المقاومة، وطمسها لجرائم الإحتلال الإسرائيلي، مقابل تعويمها لبقايا «14 آذار» المنسية على الساحة اللبنانية. الحلقة غير المتصلة بأي حدث حالي لطرح هذه القضية، يمكن اختصارها بحفلة بكائيات على قرار دولي هرم، وتمسك وهمي بإنهاء المقاومة.