في عام 2011، تعرّف روّاد السينما للمرّة الأولى إلى العقل القانوني المتشائم والدمث «ميكي هولر» في فيلم The Lincoln Lawyer (إخراج براد فورمان)، المقتبس عن رواية الجريمة التي تحمل الاسم نفسه وأصدرها مايكل كونيلي في عام 2005. يومها، تألّق صاحب الكاريزما الصارخة ماثيو ماكونوهي بلعب الدور. هكذا، هندس ابن ولاية تكساس «هولر» بذكاء ووقاحة لم تقابلهما سوى السخرية السائدة. وعلى الرغم من أنّ الشريط لم يكن تحفة فنية، إلا أنّه كان اقتباساً جيّداً إلى حد ما، واستفاد لأقصى حدّ من المادة الأساسية.ويبدو أنّ قصص الكاتب الأميركي التي تدور في فلك القضاء وأروقة المحاكم فتحت شهيّة «نتفليكس» التي أفرجت في أيار (مايو) الماضي عن مسلسل مؤلّف من عشر حلقات، أُطلق عليه أيضاً اسم The Lincoln Lawyer، ويتمحور حول الجزء الثاني من الرواية المذكورة الذي يحمل اسم The Brass Verdict (عام 2008). العمل الدرامي الذي يؤدّي فيه المكسيكي مانويل غارسيا ــ رولفو شخصية «ميكي هولر»، تمكّن بين 16 و22 أيار 2022 من التفوّق على الجزء الأخير من «أوزارك» بحصد 1.85 مليون مشاهدة عبر منصّة البثّ التدفّقي الأميركية. يستلهم المسلسل بطريقة فضفاضة من الحبكة، مع تعديلات أساسية، أهمّها أنّ «هولر» الذي يبذل قصارى جهده للحفاظ على سفينته الآخذة في الغرق، يصوَّر الآن بحساسية أكبر وبمزيد من التحفّظ. يستمدّ البطل لقبه (محامي الـ «لينكولن»، نسبةً إلى ماركة السيارات الأميركية) من رغبته الدائمة في العمل من داخل السيارة. فيها، يستطيع التركيز أكثر، وهو الذي يكره تفاصيل المكاتب التي تقيّد تفكيره وحركته.
يبدأ المسلسل بفتور قبل أن يجنح قليلاً باتجاه الملل، فيما تتشابك القصة الرئيسية مع خطوط فرعية دخيلة من دون إحساس واضح بالاتجاه الذي ترمي إليه. على الرغم من بعض الجهود المثيرة للإعجاب من قبل فريق التمثيل، إلا أنّ نسخة 2022 من The Lincoln Lawyer لا تقدّم حجة مقنعة لوجودها.
تتركّز القصة حول «هولر» المتعافي للتوّ من الإدمان على المخدّرات على إثر إصابته في حادث ركوب أمواج، في الوقت الذي يتطلّع فيه لاستعادة حياته المهنية والشخصية ووضعهما على السكّة الصحيحة. قوّة الدفع الأكبر يتلقاها البطل حين يتم تكليفه بتولّي كلّ قضايا زميل سابق قُتل في ظروف غامضة. يرتبط كل هذا بالقضية الأكثر شهرة، المتمثّلة في اتهام رئيس تنفيذي لشركة ألعاب فيديو معروفة يُدعى «تريفور إليوت» (كريستوفر غورهام) بقتل زوجته وعشيقها في نوبة غضب. يصبح «هولر» المدافع الوحيد عن براءته، ويتولى القضية على مضض، رغم أنّه سرعان ما يكتشف أنّ كلّ شيء ليس كما يبدو، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً. وفي ظلّ محاولته إصلاح العلاقات في حياته الشخصية، يعمل «ميكي» على الوصول إلى الحقيقة في أكبر قضية في حياته. كلّ هذه العناصر تصنع عرضاً سرعان ما يتأرجح تحت وطأة السرد المتعرّج الذي يستمر في التراكم!
يستند العمل المؤلف من 10 حلقات إلى كتاب The Brass Verdict


هناك ومضات من المرح يمكن الاستمتاع بها: رؤية «هولر» يعمل وفق نظام قانوني معطّل، محاولاً الفوز بقضايا تبدو خاسرة باستخدام فريقه من «أذكياء الشارع»، هو ما يجعل الشخصية جذّابة. هنا، يقدّم غارسيا ــ رولفو أداءً ساخراً يميّزه عن أي شخصية في الماضي. لكن لسوء الحظ، لم تفلح بقية العرض بالخروج من ظلّ فيلم 2011 الذي كان تجربة أكثر حدّة وتركيزاً عموماً. في هذه السلسلة، يضيع الزخم السردي تماماً ويفقد تدفّقه عند كلّ منعطف جديد.
وسط كلّ هذه النقاط الشائكة، تبقى هناك لحظات غير متوقّعة وموقّتة تبعث على الضحك وتبدّد رتابة التجربة، خالقةً كوميديا غير مقصودة ربّما، تؤمّن للمشاهد جرعات من التسلية. كما يحدث مع تعليقات القاضي وردود أفعاله خلال المحاكمة التي حظيت باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام والرأي العام.
تولّد نهاية القصّة الرئيسية شعوراً بأنّ القائمين على العمل اندفعوا باستعجال نحو الخاتمة، تاركين مجموعة من الحبكات الفرعية من دون حلول، ربّما لأنّهم كانوا يخطّطون لجزء ثانٍ أُعلن عنه قبل أيام قليلة، وبات مؤكداً أنّه سيكون أيضاً عبارة عن عشر حلقات.
صحيح أنّ The Lincoln Lawyer ليس مسلسلاً مثالياً على الإطلاق، لكّنه مسلٍّ بالإجمال، وقد يكون هذا كلّ ما هو مطلوب منه! فـ «نتفليكس» تمرّ حالياً بأزمة بعد تسجيل أوّل خسارة على صعيد أعداد المشتركين (200 ألف) هذا العام، وستقوم قريباً بتغيير استراتيجيتها في اختيار وإنتاج العروض الجديدة. هناك مَن يعتقد أنّ «لينكولن» هو بالضبط نوع المسلسلات التي تفتقدها الشبكة الرائدة في مجال الـ «ستريمينغ» والتي تضم مكتبتها مروحة واسعة من الإنتاجات الممتازة والدسمة ذات الميزانيات الضخمة. ببساطة شديدة، يقع The Lincoln Lawyer في مكان ما في الوسط، لناحية الكلفة والجودة والنجوم المشاركين فيه. وبعد يوم طويل، تبدو حلقة منه كافية لتبديل المزاج و«تغيير الجو».