لا أعرف تماماً، كيف تُصنع المرتديلا، لكن ما أنا متأكد منه أنها مزيج من لحوم غامضة وتوابل ودهون ومواد حافظة، خضعت لمشيئة مفرمة هائلة كي تكون صالحة للاستهلاك البشري (!). على السكة نفسها، تُخْتَرَع بلاد بمفرمة منصات هائلة تتطلب خضوع «شغيلتها» إلى وصفة طبية صارمة في تصدير الأذى: اكتب عمّا يسيء إلى بلادك، راقب أحوال الإعاقة بكافة أصنافها، ابتكر جرائم لم تحدث، حطّم المركب بصخور وهمية، استعمل مسلّة لا إبرة في تطريز الفضيحة، فتّش عن ضمادات إضافية في تصدير حادثة جنسية أو واقعة مشينة باعتبارها دليل انهيار هذا البلد دون سواه. لا تكتف بمرض واحد أو نوع من المخدرات يجتاح جيلاً كاملاً. اذهب إلى العشوائيات ومشّط الأزقة ومكبّات النفايات، ومشكلات أطفال الشوارع، وازدياد اعداد بيوت الدعارة، ارفع قبعتك عالياً للمثليين، وما يقع في باب خدش الحياء وازدراء الأديان، والحجاب، والواقي الذكري. ارصد خصوصية الطوائف والاقليات، دلالات الأسماء، واللهجات، والأعياد. اخترعْ طابوراً أمام عيادة فرويد، واحصل على تفسيرات مثيرة للتحولات التي أحدثتها الحرب في الأجساد والأرواح، استعر سيرة سواك وعزّزها بريش الشجاعة في مواجهة الاستبداد والطغيان. لا تهمل تفصيلاً في التدمير الذاتي، فكلما كانت سكّة محراثك مسنونة جيداً، ستجد جرار الذهب المدفونة في حقلك. تظنّ أن هذه الخردة ليست مهمة؟ أنت مخطئ، فهي جوهر ما تحتاجه هذه المنصات لنشر دررك وركاكتك الليبرالية والبلاغية، بوجود محررين أشدّاء في تطويع الصورة ومقاصدها. أما مسائل من طراز: الهوية الوطنية، والغزاة، وسرديات القيم المحليّة، فدعك منها، إنها بكلمة واحدة، لا تعني الممولين والمانحين ومشعلي النار في مواقد الحروب وتمزيق الخرائط. بإغراء المكافآت الدسمة تقاطر أبناء آوى إلى قن الدجاج لبيع بضائع مغشوشة بدمغات مستعارة، تحت وطأة الحاجة، لا التفكيك السيسيولوجي لمجتمعات عليلة أرهقها الفقر والاستبداد، بقدر عنايتها بخلطة مرتديلا صالحة للنشر. على المقلب الآخر، فقدت المنابر المحلية بريقها، بسبب ضآلة المكافآت المخصصة التي لا تكفي أجرة تاكسي للحصول عليها، بالإضافة إلى السقوف الواطئة التي أفرزتها الرقابات الرسمية في محاكمة أي نبرة مضادة مهما كانت خافتة، مكتفية بالشعار والهتاف والإنشاء السقيم، لما لم يعد ملموساً، في هذا العراء الروحي الشاسع. اليوم علينا أن نغرق في هذه المرتديلا الفاسدة، ونحتمل عفونة الرائحة، وننظر بإعجاب إلى هذه المفرمة الهائلة التي أفرزت مهنة جديدة، هي: صانع محتوى! حتى لو كان صاحب هذا المحتوى لا يجيد قلي بيضتين على نار الكيبورد.