ما لبثت «الجديد» أن نقلت خبراً أمس، حتى أثار الجدل وانهالت عليه التعليقات والتعليقات المضادة. الخبر نقل عن المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية بأنّ «إرسال الوقود المجانيّ إلى لبنان‬ ليس مطروحاً، وأجرينا مباحثات مع الحكومة اللبنانية حول الطاقة». تصريح كان كافياً ليفهم البعض، سهواً أو عمداً، أنّ المتحدّث كان يعني الفيول لزوم معامل الكهرباء، لا المحروقات كالبنزين والمازوت. وبدأ هذا البعض يستهزئ على أساس أنّ الوعد كان بتأمين الفيول مجّاناً. وبدا مَن شاركوا في حملة السخرية فرحين بالخبر، كأنّ لا فائدة لهم من الفيول أو حتى البنزين المجّانين.لم يكن هنا بيت القصيد. عادت «الجديد» وأذاعت في نشرتها المسائية أمس خبراً عاجلاً عن إعلان إيرانيّ ببدء توجّه بواخر الفيول إلى لبنان خلال «أسبوع أو أسبوعَين»، وما هي الا ثوانٍ حتى بثّت قناة mtv تقريراً (محضّراً مسبقاً) يستخدم تصريح المتحدّث باسم الخارجية إيّاه، من أجل الادّعاء بألّا فيول مجانيّاً لمعامل الطاقة، وأنّ إعلان السيد حسن نصرالله في إحدى مقابلاته عن عرض مماثل لم يكن سوى «للتحدّي». واعتبرت معدّة التقرير أنّ هدف إعلان نصرالله كان تجارياً، مستضيفةً في تقريرها الكاتب في «النهار» نبيل بو منصف للتأكيد على استنتاجها ذاك. واتّهم بو منصف كما معدّة التقرير، حزبَ الله، بالسعي إلى «جرّ لبنان إلى لعبة المحاور».
هناك بين مشاهدي المحطّة مَن يعرفون الحقيقة، وهناك مَن سيصدّقون ما ورد في التقرير، ربّما لساعات أو أيّام أو أسابيع، وهناك من سيصدّقونه لأشهر وسنوات، إذ لن يتقبّلوا أنّ إيران («ما غيرها») أرسلت بواخر نفطية ولو شاهدوها بأمّ العين! قد نعيد الأسباب إلى الطائفية والعنصرية والشوفينية والدوغمائية، لكن كلّ هذه هي نتاج إعلام لا عمل له سوى غسل الأدمغة المتواصل، خدمةً لرعاته الخارجيّين وأهدافهم بالخصخصة والوصاية الدولية (الكلمة الملطّفة لـ«الاستعمار»).
فات هؤلاء أنّ الولايات المتحدة التي تحاول إبراز نفسها بصورة «المخلّص» وإيران بصورة «الشيطان»، هي نفسها التي دعمت «حزب المصرف» بنزعته النيوليبرالية واحتكاراته وخصخصته لقطاع الكهرباء التي تسبّبت في أكلاف هائلة على الخزينة والاحتياطات نظراً إلى كلفة المازوت العالية مقارنة بأنواع فيول معامل الكهرباء، وهي نفسها التي دعمت الكيان الصهيونيّ في حروبه على لبنان وتدميره منشآت الكهرباء، وهي نفسها التي شنّت حرباً على سوريا وأغلقت حدودها بوجه لبنان ثمّ منعته من شراء كهربائها، وهي نفسها التي منعت نقل النفط عبر خطّ كركوك-طرابلس بحجّة افادة روسيا وإيران، وهي نفسها التي منعت (عبر الفيتو على دماها في لبنان) الصين من إنشاء معامل كهرباء، وهي نفسها التي تماطل في السماح باستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، وهي نفسها التي منعت لبنان من استخراج غازه ودعمت العدوّ في محاولة سرقة حقوقه، وهي نفسها التي أمّنت الغطاء عبر سفيرتها لأمثال إبراهيم الصقر، وهي نفسها حليفة نجيب ميقاتي الذي بذّر حقوق السحب الخاصة بدلاً من استخدامها في إنشاء المعامل كما أراد وضع العراقيل أمام العرض الإيرانيّ، وهي نفسها التي دعمت ولا تزال أحزاباً رفضت كتلها تأمين سلفة خزينة لصالح «كهرباء لبنان»، مع ما استتبع ذلك من هدر في الاحتياطيّ الإلزاميّ مقابل انقطاع في كهرباء الدولة والمولّدات على السواء وفواتير خيالية أفقرت الناس أكثر وهجّرتهم. هل هناك حاجة للإكمال؟ لا، هناك حاجة للإعلام. والإعلام هدفه أن «يُعلِم»، وألّا يمانع قول الحقائق الآنفة ولا التذكير بها باستمرار. لكن لننتظر ما ستقول قناة المرّ نهار وصول البواخر الإيرانية، ولنبنِ على الشيء مقتضاه!