لكنّ الأكيد أنّ «الليلة واللي فيها» يتمتّع بنقاط قوّة كثيرة، أُولاها الـ «جنر» الذي ينتمي إليه والذي يحصد شعبية واسعة، عربياً وعالمياً. فهو دراما جريمة ونفسية في الوقت نفسه، فيها جرعات كبيرة من الإثارة والتشويق وحبس الأنفاس.
عموماً، يمكن القول إنّ العمل الدرامي متماسك ومكثّف من دون حشو أو إطالة، وإن كان هناك من كان يفضّل اختصاره بأربع حلقات أو إطالته ليشمل ثماني حلقات مثلاً.
جرأة الموضوع، تشكّل عامل جذب، خصوصاً لناحية التطرّق إلى السادية المازوشية أثناء ممارسة الجنس، بعيداً عن الابتذال والسطحية. فالبطلة تعرّضت لاعتداءات متكرّرة في الصغر على يد سائق الأسرة «طه»، جعلتها لا تبلغ النشوة والسعادة والرضا إلا من خلال العنف، ما يؤثّر سلباً على علاقتها بزوجها. في ما يتعلّق برغبات «رشا» الجنسية، ينجح العمل في عرض أسبابها، طريقة تطوّرها، كيفية اكتشاف المشاهد لها، ما يترتّب عليها من أحداث، ما يدفعها لتصدّر اهتمام الشخصيات المحيطة وغيرها من الأمور.
عامل جذب آخر يتمثّل في استخدام الزمن بشكل مناسب، فالأحداث كلّها تجري في يوم واحد. وإلى جانب النص الجيّد، نجح هاني خليفة في بناء الشخصيات وتطويع الديكور والأكسسوارات والتفاصيل (خصوصاً أنّ الأحداث تجري في موقع واحد تقريباً، وهو شقة البطلة)، ما ضمن للمشاهد سرداً درامياً تصاعدياً متلاحقاً حتى النهاية. أجواء مختلفة مخيّمة على كل حلقة، في ظلّ إيقاع مناسب ومتفاوت ومضبوط في الوقت نفسه. حيناً، هناك بطء من أجل التأمّل في ما يجري ومحاولة استيعابه. أحياناً، هناك بطء يهدف إلى «حرق» أعصاب المتفرّج، فيما تتسارع وتيرة الأحداث في أوقات أخرى لزيادة منسوب الإثارة أو «الجنون» المسيطر عليها. محرّكات أساسية للأحداث ترمي إلى رسم صورة مركّبة لما يجري، لكنّها ليست بعيدة جداً عن المنطق، وإن كانت لا تحصل دوماً في الواقع. نحن هنا أمام مصادفات تعيسة قد لا تحدث كلّ يوم، قائمة على وجود أشخاص غير مناسبين في الوقت والمكان غير المناسبَيْن. كلّ الشخصيّات تقريباً متحرّكة، تتصادم في حلبة تغصّ بالتفاصيل.
نهاية محيّرة لا تتناسب مع طبيعة العمل
مَن يتابع «الليلة واللي فيها»، يدرك أنّ الحلقات الأربع الأولى أجمل من الحلقتين الأخيرتين، إذ أسهمت الحلقات الثلاث الأولى في رسم صورة ما يجري في رأس المشاهد، لتشكّل الرابعة «ذروة» المسلسل مع أداء تمثيلي لافت لعلاء مرسي.
في المقابل، لا تبدو الحلقتان الخامسة والسادسة بالمستوى نفسه، فهما تفتقران إلى الأحداث ذات النطاق الواسع، كما أنّ الشخصيات فيهما قليلة والأداء التمثيلي عادي.
وإذا أردنا تقييم اختيار صنّاع العمل لزينة لأداء دور البطولة، من الواضح أنّها مناسبة لتجسيد «رشا» المحيّرة، تماماً كما الممثلة المصرية بالنسبة إلى الرأي العام.
أما الرابر «أبيوسف» الذي يتمتّع بجماهيرية لا بأس بها، فاتجهت الأنظار إليه لتقييمه كممثل. شكله وطبيعته مناسبان لشخصية «حاتم» المريض النفسي الذي يلجأ إلى المخدّرات لتورية مشاكله التي تفاقمت بعد وفاة والدته. لكّنه بالتأكيد ليس موائماً لكل تحدياتِ الشخصية، وهذا ما ظهر جلياً في بعض المشاهد التي فشل في أن يكون فيها على قدر متطلّبات الدور، حركةً وتعبيراً. باختصار، الحلقتان الأخيرتان لا تتلاءمان مع بناء العمل الذي جرى في الحلقات الأولى. أما أسلوب إسدال الستارة على الأحداث، فمحيّر وغامض!
* «الليلة واللي فيها» على «شاهد»