القاهرة | خسرت الصحافة المصرية أمس أحد أبرز وجوهها وهو مفيد فوزي (1933 ـــ 2022) الذي رحل عن عمر 89 عاماً، بعد أسابيع أمضاها في المستشفى. المصادفة لعبت دوراً كبيراً في مسيرة ابن محافظة بني سويف (جنوب القاهرة) الذي تخرّج في كلية الآداب (جامعة القاهرة ــ قسم اللغة الإنكليزية) عام 1959. عندما كان الشاب مفيد في القاهرة أثناء الدراسة، قرّر أن يتجوّل في محيط سور الأزبكية قبل الذهاب إلى بيت عائلته في إجازة نهاية الأسبوع. لم يكن يعلم على الإطلاق أن تلك الخطوات القليلة ستكون بداية مشوار طويل في «مهنة المتاعب». يومها، لفت نظره كتاب «إيران فوق بركان» لمحمد حسنين هيكل، فاشترى الكتاب بـ 4 قروش وقرأه في اليوم نفسه، بل أعاد قراءته مرة أخرى. عشق عبارات هيكل وأسلوبه وظل يتابع تحقيقاته في مجلة «آخر ساعة» ويقلده في الكتابة، فيكتب مثلاً «مفيد فوزي يكتب من الصين»، حتى تأكد أن الورقة والقلم هما مستقبله. وعلى عكس الأب الذي كان يحلم بأن يصير ابنه مدرّساً للغة الإنكليزية، كانت والدته مريم فرج تشجّعه على تطوير موهبته الصحافية إلى أن ذهب للتدريب في مجلة «صباح الخير» أثناء دراسته عام 1957 بفضل حسن فؤاد «الكشاف الأعظم» كما يصفه، فتتلمذ على يد الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين. ومن الحكايات التي يوردها في كتابه «كواليس» الصادر قبل أشهر، أنه ظل يكتب باسم «نادية عابد» لمدة 18 عاماً في «صباح الخير»، إلى جانب موضوعاته الصحافية التي ينشرها باسمه. واللافت أنها كانت شخصية حقيقية هي ابنة دبلوماسي مصري، عرفها وأعجب بثقافتها فقرّر الكتابة باسمها. تزوّج مفيد فوزي الإذاعيةَ الراحلة آمال العمدة عام 1968 وأنجبا ابنتهما الصحافية حنان مفيد فوزي.لقب مفيد فوزي بـ«المحاور»، هو الذي أثرى عالم الصحافة والتلفزيون بتحقيقاته المتنوعة، وحواراته الناجحة مع أهم الشخصيات السياسية والأدبية والفنية على مستوى العالم العربي، كما يُعد أول من قدّم مفهوم «الصحافة التلفزيونية» على الشاشة المصرية، فضلاً عن تقديم وإعداد الكثير من البرامج الإذاعية في مصر والدول العربية مثل الأردن والإمارات وقطر. أيضاً لدخول فوزي العمل الإذاعي والتلفزيوني قصة أخرى ومصادفات أكثر: أثناء جلوسه في أحد الفنادق ليلاً مع أصدقائه، دخلت عليهم الإذاعية آمال فهمي وهي تبكي بسبب رحيل الشاعر بيرم التونسي، ولم يكن يتبقّى على قدوم شهر رمضان سوى 12 يوماً، فقرّر فوزي أن يكتب لها عدداً من الفوازير التي أعجبتها. كانت هذه المصادفة بداية إدراج اسم مفيد فوزي في الإذاعة المصرية، حيث ظل يكتب فوازير آمال فهمي لمدة عشر سنوات.
أما عن أول ظهور على الشاشة، فقد جاء بعد مسيرة طويلة أمضاها في عالم الإعداد إلى أن ظهر على شاشة التلفزيون المصري عام 1982، لتقديم برامجه بنفسه. ساعتها، تحقّقت أمنيته وقناعته: «أفضل من يقدم برنامجاً هو من يعدّه»، فكانت أهم البرامج التي قدّمها على الشاشة: «عصر من الفن» عن كوكب الشرق أم كلثوم، و«صديقي الموعود بالعذاب» عن صديقه العندليب عبد الحليم حافظ، و«المدفع قبل الخبز أحياناً» مع المشير عبد الحليم أبو غزالة، و«الموسيقار وأنا» مع «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى حلقات تلفزيونية منفصلة من إخراج جميل المغازي مع العديد من وجوه الأدب والفن والسياسة، مثل: إحسان عبد القدوس، يوسف إدريس، يحيى حقي، مفيدة عبد الرحمن (أول محامية في مصر)، مصطفى أمين، نجيب محفوظ، أحمد زويل وفاروق الباز. واقترن اسم المحاور مفيد فوزي ببرنامج «حديث المدينة» الذي بدأه في 13 آذار (مارس) عام 1998، بترشيح من وزير الإعلام آنذاك صفوت الشريف واستمر 26 عاماً على شاشة «اليوم». ولأن الخطى تقترن دوماً بالخطايا، فإن الكثير من الانتقادات توجه إلى مفيد فوزي أبرزها أنّه يجيد الجلوس على موائد الأنظمة، فهو الصحافي والمحاور الذي كان مقرّباً من رجال نظام مبارك وحاورهم جميعاً وحصل على الكثير من الامتيازات بناءً على ذلك، لكنه بعد ثورات الربيع العربي حاول تقديم نفسه معارضاً كي يضمن لنفسه مساحة أخرى في العصر الجديد.
وأكثر اللوم الموجَّه إلى مفيد فوزي، كان عدم دقته في المعلومات التي يكتبها أو يقدمها على الشاشة، ما ظهر بشكل واضح في عصر اليوتيوب.