كان غريباً نوعاً ما «العثور» على هشام حدّاد في برنامج على قناة mtv، بعدما اعتاد اللبنانيون رؤيته على LBCI لسنوات. الغرابة كانت على كلّ المستويات، لا تتعلّق فقط بـ«النبذ» الذي يحيط بأيّ تحديث أو تغيير قبل أن يسود التأقلم والتقبّل، بل أيضاً بهويّة البرنامج. رغم تغيّرها كثيراً، إلّا أنّها قُدّمت في إطارها «القديم»، ما كان محطّ التباس وحيرة وتشوّش لدى المشاهدين.بداية هشام حدّاد كانت على OTV في برنامج «أوفريرا» الكوميدي، قبل أن يترك بصمة عبر برنامج «LOL» الذي أخذ ضجّة كبيرة. بعد ذلك، قدّم برنامج «حرتقجي» الذي كان وراء انتقاله إلى «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، حيث حقّق شهرة مضاعفة مع برنامج «لهون وبسّ» الذي استوحاه بقالبه وتصميم الاستديو وصيغة الفقرات، من فئة برامج أميركية يُطلق عليها «برامج ساهرة» (late-night talk shows). بات عدد كبير من الناس ينتظر «لهون وبس» كلّ أسبوع، ما أجبر القنوات الأخرى على محاولة منافسته ببرامج مماثلة في التوقيت ذاته، كما فعلت mtv مع برنامج عادل كرم «هيدا حكي»، و«الجديد» مع برنامج شربل خليل «قدح وجم».

شبّه إطلالته «الغريبة» على «المحطّة الغلط» بفرضية ظهور «هيفا وهبي على «المنار» أو «إليسا على otv»

نجاح «لهون وبس» وصل بمقدّمه إلى إنتاج فيلم «لهون وحبس» تمحورت قصّته حول البرنامج وظهر فيه إعلاميّون ومشاهير ممّن كان يسخر منهم حدّاد. بعد ذلك، قدّم بشكل مواز برنامج HiShow على منصّة «صوت بيروت إنترناشونال»، فدارت التكهّنات حول تفضيله وضع النكات «الأقوى» فيه على وضعها في «لهون وبس»، خصوصاً تلك التي تضمّنت رسائل سياسية ضدّ أطراف معيّنة، كما في كلّ برامج المنصّة التي لم تؤتِ أُكُلها، فتقرّر إلغاء معظمها أخيراً. كلّ ما سبق لم يكن مفاجئاً، رغم تبدّل آراء هشام حدّاد السياسية خلال سنوات تنقّله بين البرامج، بقدر المفاجأة التي فجّرها بإعلانه نقل «لهون وبسّ»، بكلّ فقراته وكوميديّيه وموسيقيّيه، إلى قناة mtv بحلّة جديدة تحت اسم «كتير هلقد».
الممثّل والكوميدي ومقدّم البرامج كان قد أعلن انتقاله الشهر الماضي من قناة بيار الضاهر إلى قناة ميشال المرّ، عبر شريط ترويجيّ غنّى فيه بلهجة خليجية مبتذلة محاولاً تبرير «قفزته» إلى القناة التي لطالما وضعها في مهداف السخرية، بأنّهم «نسيوا القضية» (في إشارة إلى LBCI من دون تسميتها) وأنّه وتلفزيون المرّ «اتّفقا على الثورة». طبعاً لم يصدّق أحد تلك الحجّة، فانهالت التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً لما تمثّله «قناة المرّ» في النظام وعلاقاتها مع أركانه وانتمائها قلباً وروحاً لـ«حزب المصرف» وهويتها السياسية اليمينية الداعية إلى التقسيم، والقضايا الجنائية التي تلاحقها ورئيس مجلس إدارتها. استدعت هذه الحملة حدّاد أن يخصّص في الحلقة الأولى من «كتير هلقد» (كلّ ثلاثاء بعد نشرة الأخبار المسائية) في الأسبوع الأخير قبل رأس السنة، كلمة توجّه فيها إلى الجمهور محاولاً التوسّع في الشرح والتبرير.
افتتح حدّاد الحلقة الأولى على وقع موسيقى «حرب النجوم» الشهيرة، مطلّاً ببزّة رائد فضاء ليزرع رايته على سطح «كوكب الكواليتي»، وهي التسمية التي كان يستخدمها للسخرية من mtv سابقاً. ابتدأ رسالته بالقول إنّ «خطَّين متوازيَين لا يلتقيان أبداً، لكن نحن وmtv كسرنا كلّ قواعد الحساب والهندسة، والتقينا». ثمّ وعد بأنّه كما خالف قواعد الهندسة، «سنخالف كلّ القواعد». أكمل: «كلّ شيء يتحوّل عندنا إلى مادة انتقادية قاسية بس لذيذة، وأهلاً وسهلاً بي على كوكب الـmtv»، مشبّهاً إطلالته «الغريبة» على «المحطّة الغلط» بفرضية ظهور «هيفا وهبي على «المنار»، أو «إليسا على otv». لكنه عاد وسطّح الأمر بتبريره بأنّ «مذيعاً لبنانياً انتقل من محطّة لبنانية إلى محطّة لبنانية أخرى. انتقال مهنيّ بحت». التعبير التسطيحيّ الأخير كان ليكفي لولا أنّ حدّاد قرّر المبالغة وتشبيه ما حصل بانتقالات لاعبي كرة القدم، مستخفّاً بتأثير مهنة الإعلام في صناعة الرأي العام. حتى الإعلام الساخر الذي يقدّمه، يأتي غالباً انتقاداً للأوضاع الاجتماعية، وتأثيره قد يفوق تأثير الإعلام التقليديّ بأشواط. وفي معرض ردّه على الحملة ضدّه على مواقع التواصل، سخّف حداد الأمر وأهان كلّ منتقديه باختصارهم بـ«حفنة» من جمهور «الزعماء» الذين يتنقّلون بين رأي وآخر كلّ يوم وأنّه «كلّها مرّة عملنا مشكل زغير مع mtv». هكذا، استغلّ مقدّم البرنامج الستاتيكو السياسي في لبنان لتمرير ما معناه «شو وقفت عليّي؟» ومنح نفسه «شيكاً على بياض» للقيام بما يحلو له. بعد «الوعظة» الآتية من عالم آخر، أطلّ إيلي الشمالي الذي اشتهر باسم «إيلي جلادة» ليسأل الناس في الشارع، بطريقته الساخرة المعتادة، عن رأيهم بالانتقال. ظهر في التقرير المُعدّ مسبقاً هامشُ حرّية لا بأس به من حيث انتقاد mtv على هوائها، وهو أمر ربّما سمحت به القناة امتصاصاً لردّة فعل الجمهور من المنزعجين من وجود البرنامج على شاشتها، على طريقة الفترة الانتقالية أو الـ«روداج». بعد «إيلي جلادة»، حلّ أخيراً الاستديو الجديد على الشاشة. صحيح أنّ الاستديو واسع، ما يعطي هامشاً مريحاً للتحرّك، خصوصاً عند استضافة فنّانين أو ضيوف آخرين، إلّا أنّ مساحته أكثر ممّا يحتمل برنامج مماثل، وتصميمه لم يبدُ جذّاباً كما الاستديو السابق في LBCI (بعد تحديث الأخير منذ مدّة غير طويلة)، ففقد البرنامج بذلك شيئاً من «بريقه». في الاستديو الجديد، تمّ الاحتفاظ بالخلفية الزرقاء التي تُظهر بيروت مضاءة ليلاً، لكنّ كلّ ما حولها تمّ تلبيسه بمادّة «خشبية» ذات لون باهت، وليس هناك ما يكسر طابعها «المملّ». قد يكون الأمر مجدّداً قد استوحيَ من البرامج الساهرة الأميركية، لكنّ ذلك لا يلغي حقيقة أنّ الاستديو السابق كان أكثر لفتاً للأنظار. في سيكولوجية الصورة والإعلام، اللون الأزرق هو الأكثر جذباً على شاشة التلفزيون (بدون المبالغة باستخدامه طبعاً)، وهو اللون الذي طغى في الاستديو السابق.
بالعودة إلى الحلقة الأولى، رحّب المقدّم بجاد بو كرم الذي لطالما جلس أمام الفرقة الموسيقية إلى طرف الاستديو حيث علّق بشكل ثانويّ على ما يعرضه المقدّم وأطلق النكات. لكنّ الجديد هو تخلّيه عن الغيتار الذي اشتهر بحمله في «لهون وبس»، إذ تمّ استحداث «منصّة» صغيرة له، تشبه تلك التي يجلس عليها المقدّم، بما أنّ مساحة الاستديو باتت تسمح بذلك. الأمر استدعى نكتة من هشام حدّاد «لطّش» فيها قناته السابقة حيث كان الاستديو ضيّقاً بعض الشيء، فقال «ليك الوساعة»، وقام بحركة تومئ بأنّه ينادي إلى أبو كرم من مسافة بعيدة. ثمّ ما لبث أن دعا حدّاد الجميع إلى الوقوف للنشيد الوطني اللبناني، قبل أن يتبيّن أنّه بكلمات فرنسية، في استمرار للسخرية «الإيجابية» من قناته الجديدة. من حيث الفقرات، بقيت في «كتير هلقد» كما كانت عليه في «لهون وبس»، مع إضافات جديدة لا تقدّم إلّا القليل. ما زال هشام حدّاد يفتتح العرض بآخر الأخبار التي طبعت الأسبوع بطريقة ساخرة، ثمّ يستعرض بعض الهفوات التي تحصل على الشاشات. وهنا تبرز إحدى المشكلات، إذ بات المشاهدون أمام أسطوانة مشروخة، ولو أنّها ما زالت تُضحكهم قليلاً. الهفوات هي نفسها ومن الأشخاص أنفسهم، والنكات تمّ استهلاكها وتكرارها حتى ملّها الجمهور، ولم يعد هناك أيّ فكرة خلّاقة. حتى اللعب على الكلام الذي يبرع به جاد بو كرم، لم يعد كما في السابق، رغم أنّه «ينقذ» العامل الكوميديّ، فمن دونه قد ينخفض دون المستوى المطلوب، وبذلك تنتفي القدرة على إضحاك الجمهور. كذلك تفعل الفقرة التي تطلّ فيها أمل طالب، التي تأتي بأقاصيص مضحكة على طريقة الـ«ستاند-أب كوميدي» بلهجتها البقاعيّة «العفوية»، فتضفي على البرنامج مزيداً من القدرة على رسم البسمة على الوجوه. لكنّها أيضاً لم تعد بالقوّة نفسها كما في السابق. هناك أيضاً فقرة إيلي الشمالي كما أسلفنا، وهي بقيت على مستواها السابق نظراً إلى سرعة بديهة الشمالي وقدرته على استدراج الناس نحو الألاعيب و«الضروب». يطلّ كذلك مغنّي الراب «شمعون» الذي يقدّم أغنيات أسبوعية تختصر الأوضاع، لكنّها في الغالب لا تعدو كونها «صفّ حكي» وإعادة تدوير لكلّ ما يريده الإعلام المهيمن أن يعلق في عقول الناس. إحدى الفقرات الجديدة هي تلك التي يطلّ فيها طوني خيّاط، وهو مدير المحتوى في البرنامج وأحد كتّابه، فيستعرض لقطات مصوّرة مثيرة للسخرية ينشرها بعضهم على تطبيق «تيك توك». ليس للرجل كاريزما كوميدية، لكنّه يصيب غالباً في تعابيره الساخرة. في فقرة أخرى جديدة، تتمّ استضافة أشخاص لدقائق معدودة لتلاوة «نكات الأسبوع» من الصنف الذي كان في برنامج هشام حدّاد القديم «LOL»، فظهر مثلاً الكوميديّ جورج حريق الذي كان ضيفاً متكرّراً في البرنامج الأخير. في القسم الأخير من الحلقة، تتمّ استضافة أشخاص يشغلون الرأي العام حالياً أو مشاهير ومؤثّرين وسياسيّين وفنّانين أي كما درجت العادة، وغالباً ما تُنهى الحلقة بوَصلة غنائية من الضيف.
تغيير واضح طرأ على «هوية» البرنامج، بما يتماشى مع تنقلات هشام حدّاد السياسية


هناك تغيُّر واضح طرأ على «هوية» البرنامج مقارنةً بسلفه، بما يتماشى مع تبدّلات آراء هشام حدّاد السياسية أوّلاً والوجود على شاشة «المرّ» ثانياً، وهو ما تسبّب في مشكلة أخرى نظراً إلى أنّ الإطار العام بقي على قِدمه. أيّ برنامج تلفزيونيّ له روحه وجمهوره وهما عاملان ظرفيّان تأثّرا حكماً بـ«البيئة» الجديدة. كان الأمر على LBCI مختلفاً مع «لهون وبس» الذي أتى بشكل كبير تجسيداً لـ«ثورة شبابية» وتمثيل فئة معيّنة ولكن واسعة، ولو أنّه صُنع لأن يكون مغرياً لجميع الفئات. والفئة المذكورة لها آراؤها السياسية المختلفة بعض الشيء عن آراء من يكبرونها، فهي تميل (غالباً) اجتماعياً وسياسياً نحو الليبرالية، تعتبر نفسها ضدّ الأحزاب «كلّها يعني كلّها»، وقد لا تستسيغ القناة الجديدة حتى لو شاهدت البرنامج عليها. في المقابل، هناك جمهور جديد بات الوصول إليه متاحاً، وهو من مشاهدي المحطّة ممّن آراؤهم الاجتماعية بشكل أساسيّ «محافظة» والسياسية تميل نحو اليمين، وقد يتبعون لأحزاب معيّنة أو حتى يعارضون بعضها دون غيره. على الأرجح، سيستهوي الفئة الأخيرة المضمون فيما الفئة «القديمة» قد يغشّها الإطار، قبل ملاحظتها أنّ الهوية تغيّرت أو انجرارها وراء المضمون بشكل تدريجي. كذلك، فإنّ انتقاد حدّاد لـmtv في السابق لم يقتصر على مجرّد «مشكل زغير» كما يدّعي الآن متّكلاً على ذاكرة الناس القصيرة (كما يفترض)، بل توزّع على حلقات متعدّدة وفترة لم تكن قصيرة، ووصل في إحدى المرّات حدّ فضحه خبراً كاذباً بثّته المحطّة في نشرة أخبارها، مرفقةً إيّاه بمشهد من لعبة فيديو. كما أنّه كان يُبرز بشكل واضح اختلافه «الجذريّ» مع سياستها. كان يمكن لهشام حدّاد الانتقال إلى المحطّة التي يريدها وهذا حقّه، لكن من دون استغباء الجمهور ومهاجمته وتجاهل قدرة شخصيته على التأثير في صناعة الرأي وكيل التبريرات التي لا تُسمن ولا تغني.
بشكل عام، جودة البرنامج تراجعت على «كوكب الكواليتي»، ولا شيء جديداً سيفوت المُشاهد. لكن تبقى للبرنامج مكانته الخاصّة في عالم الترفيه. بغضّ النظر عن كلّ ما سبق، ما زالت الشاشة اللبنانية تفتقر إلى ما ينافسه. هشام حدّاد بالتأكيد أحدث فرقاً في الشاشة اللبنانية في السابق، و«عصرن» البرامج الكوميدية، واستمرار وجود برامج مماثلة على الشاشة هو أفضل من عدمه، شرط عدم تمرير الرسائل السياسية التي تضرّ بمصالح المجتمع أو التي لا فائدة منها. من الجيّد أن يكون للّبنانيّين متنفّس، وخصوصاً إلى عالم الكوميديا، أكان عبر هذا البرنامج أو غيره. لكن في الخلاصة، يصحّ إطلاق تعبير «اسم على مسمّى» على البرنامج الجديد، لأنّه بجدّ «كتير هلقد»!

* «كتير هلقد»: كل ثلاثاء س 21:45 على mtv