لم يسبق أن استحال ممثل سوري ظاهرة كما فعل الكوميديان ياسر العظمة. خلال عمر طويل، طوّع الرجل إمكاناته كلّها لصالح مسلسل كوميدي وحيد هو «مرايا»، اشتغل فيه مع كتاب ومخرجين وعشرات الممثلين من مختلف الأعمار، بعضهم كان مكانه ثابتاً في كلّ جزء بينما كان العظمة يستأثر بجميع أدوار البطولة في معظم اللوحات. العمل كان بمثابة جردة حساب نقدية ساخرة مع كثير من المعطيات والتحوّلات المجتمعية والسياسية والظواهر السائدة في البيئة الجغرافية. ورغم الاتكاء على صيغة شبه ثابتة من الأداء ومجموعة كراكتيرات يستحضرها العظمة بحسب الحاجة، إلا أنّ المسلسل كان مطلباً جماهيرياً، رغم أنّه وصل لمطرح يائس تماماً، عندما راح يجترّ الأفكار نفسها في بعض الأحيان، ثم تهاوت الأمور لدرجة تجارية بحتة عندما أُقحمت الإعلانات التجارية، وخرج العظمة في أحد الأجزاء يؤدي أغاني تلك الإعلانات ضمن المشاهد. هكذا، صار الفنان السوري لا يقبل القسمة على اثنين، ولا الحلول الوسطى عند الجمهور: إمّا محبة مطلقة أو جفاء مطلق.في العام الماضي، قرر الكوميديان الشهير أن يغيّر في الإعدادات، وأن يحضر على السوشال ميديا. وبالفعل، ظهر مرّة ليلقي شعراً اتُّهم بأنّه سطحي وساذج ولاحقته موجة من الانتقادات اعتبرت أنّ العظمة يهوي بمستواه ليكون مجرّد «يوتيوبر». وبالفعل، لم يقدّم سوى بضع حلقات على حساباته الافتراضية، قبل أن يُعلن عن ابتعاده مؤقتاً، لانشغاله بالتحضير لمسلسل جدّي. لكن أصداء «السنونو» (كتابة ياسر العظمة، إخراج خيري بشارة ــ شارك في البطولة إلى جانب العظمة: عابد فهد ومحمد قنوع وتقلا شمعون ومرح جبر وبشار إسماعيل وولاء عزّام...) لم تكن إيجابية. مرّت أشهر طويلة، حتى قرر الممثل المعروف بمعيّة ابنه، وهو مهندس ظهوره الافتراضي، أن يعود لقناته على يوتيوب وصفحة الفايسبوك العامة التي تحمل اسمه، ليصنع محتوى نقدياً.
وحالما طرح أوّل اسكتش، حتى لفت الأنظار بكثافة، خصوصاً أنّه كان عبارة عن استعادة وتحية لنجوم «مرايا» بأسلوب العظمة الملحّن الذي يعتمد السجع وصفّ الكلام بالطريقة نفسها التي يشتغل بها عادة. من بين من حيّاهم من زملائه كانا الراحلين: المخرج والممثل حاتم علي، والممثلين حسن دكاك وسليم كلاس وعصام عبه جي... مرّ الفيديو بسلام، لا بل وإجماع حول وفاء اللفتة وصدقها. أما الفيديو الثاني، فكان بمثابة مربط الفرس! لأنّه قسم الآراء حوله بحدة، بعدما ظهر فيه العظمة بما يشبه المونولوج الشعبي منتقداً الأوضاع التي تسطو على بلاده، وبلغة لا تزيد عن المنطق العام الذي يتحدّث من خلاله غالبية السوريين على السوشال ميديا!
هكذا، قامت الدنيا على اعتبار أنّ العظمة لا يعيش في سوريا، وأنه يسوق انتقاداته ليجني أرباحاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما حصل على الجنسية الإماراتية. ناهيك عن سلسلة من الانتقادات والهجوم، وصلت لمراسلي القنوات الإخبارية المؤيدة الذين اقتربوا من تخوينه. وعلى الرغم من التداول الكثيف للفيديو الجديد الذي قدّمه العظمة وحكى فيه عن علاقة النجم باسل خيّاط بسلسلة «مرايا» وانطلاقه منها في أجزاء عدّة ومداخلة خيّاط حول ذكرياته مع العمل، إلا أن الهجوم لم يتوقف.
فبعض المتابعين اعتبروه استثماراً لنجومية باسل. بعدها، قدّم العظمة فيديو نقدي، سخر فيه من الحال التي وصلت إليه الدراما السورية وتهكّم على الكثير من الأعمال الشامية والمعرّبة وعناوينها. لكن مع ذلك، ظلّت الآراء مشتعلة حول فيديو انتقاده لحال بلاده القاتم!