ليلة الأمس أتانا صوت النجم السوري باسم ياخور مخنوقاً! لم تسعفه الكلمات، ولم نستطع أن نتحاور في ما قلناه عن موسمه الرمضاني، كذلك لم تتح له متابعة حديثنا عبر إحدى الإذاعات السورية عن والده. سابقته دموعه وهو ينقل لنا خبر وصول أبيه، الصحافي المخضرم إبراهيم ياخور (1943 ــــ 2023) للساعات الأخيرة من حياته. «حسب تقارير الأطباء ساعات كحد أقصى، وسيكون في أحضان الربّ» هذه الجملة الوحيدة التي قالها بتماسك، قبل أن يغالبه الحزن وتسم صوته غصة مؤثرة. كيف لا وهو يحكي عن الدقائق الموجعة التي تسبق انسدال الستار عن مشوار، ملاذه الآمن، ومرجعه الأوّل، و قدوته الآسرة وسياجه العالي الذي ترك له فعلاً اسماً من ذهب ترنّ سمعة صاحبه الناصعة كيفما استدار؟وبالفعل صباح اليوم، رحل الرجل الذي أسس للصحافة الاستقصائية في سوريا، ثم نال اجماعاً حول مهنيّته وأثره البالغ. مضى في طريقه الختامي إلى غير رجعة، كأنه حتى في رحيله ينجز تحقيقاً يتوالف فيه بدقة مع رأي الأطباء! إذ لم تمض ساعات بعد تلك المكالمة، حتى نعى النجم السوري والده عبر حساباته على السوشال ميديا، فقال: «رحلة الأيام الأخيرة كانت صعبة مؤلمة ومحبطة ما يعزي قلبي أننا تحدثنا كثيراً وأخبرتني أشياء للمرة الأولى.. ابتسمنا ونظرنا في أعين بعضنا طويلاً بصمت أبلغ من آلاف الكلمات، تلمست شعرك ووجهك المتعب مراراً، ومسحت وجهي ودموعي بيدك المنهكة (..) لن أتذكرك الا في أجمل صورك كما يليق بك، أنت اليوم في مكان أفضل بلا ألم ولا أوجاع. روحك سترفرف في قلبي دائماً. وداعاً «أبو البرّ» كما كنا نخاطبك دوماً وداعاً يا حبيبي» لتنهال التعازي من عدد كبير من نجوم الدراما السورية والصحافيين، ليس محبة بابنه فقط، إنما امتثالاً لقيمة الراحل الذي عمل في صحيفة «تشرين» السورية، ثم التلفزيون السوري بين عامي 1986 و 2003 وخلالها قدّم أشهر برنامج استقصائي حمل اسم «ملفات ساخنة» جابه فيه الفساد والمحسوبيات. بعدها اعتمد ياخور مدرباً في شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» (أريج) منذ عام 2007، كما حصل سنة 2016 على شهادة في كتابة السيناريو من «أكاديمية نيويورك للأفلام» أثناء إقامته في أميركا. وإن كانت له تجارب عابرة في الدراما السورية كممثل، إلا أنه طبع بصمة واحدة ككاتب في مسلسل «أزهار الشتاء» (إخراج محمد الشليان) الذي حكى فيه عن دار المسنين وهواجس ومشاكل هؤلاء وقد لعبت بطولته نخبة نجوم هم: خالد تاجا، رفيق السبيعي، نجاح حفيظ، أنطوانيت نجيب، مهى المصري، أيمن رضا، لورا أبو أسعد، ليلى جبر، سليم صبري.... لكنّ التجربة الصريحة والعميقة كانت في الإعلام الاستقصائي، الذي كانت وما زالت سوريا بأمس الحاجة لتكريسه وانتشاره بوجه الفساد المستشري. في حديثه مع «الأخبار»، ينعي رئيس «اتحاد الصحافيين السوريين» موسى عبد النور الراحل، قائلاً: «ابراهيم ياخور واحد من قامات الإعلام السوري في الصحافة والتلفزيون. عرف ببرنامجه الشهير «ملفات ساخنة» كواحد من أهم البرامج التي تسلّط الضوء على مكامن الخلل وملفات الفساد. لذلك اكتسب متابعة شهرة واسعة. يعدّ الفقيد من أهم من عمل في الصحافة الاستقصائية، وحاول نقل تجربته للأجيال من خلال عمله مدرباً معتمداً لدى المؤسسات الوطنية والعربية والدولية والراحل عرف بمهنيّته وأخلاقه، ويشكّل مضيّه اليوم خسارة كبيرة. نتقدم لأسرته وللإعلام السوري والعربي عموماً بخالص العزاء». يحكي الصحافي المخضرم عبد الفتّاح العوض في في حديثه مع «الأخبار» عن الراحل إنه «بالنسبة للصحافيين السوريين، كان إبراهيم ياخور علامة فارقة، كونه انتهج خطاً خاصاً به، وصنع بشغله وأسلوبيته مدرسة صحافية حقيقية، رغم أنّه تتلمذ كثيرون على يديه، إلا أنه بقي الأكثر جرأة. لذا حقق نجاحاً منقطع النظير وبقي اسمه محترماً في مكان عال. رغم ابتعاده عن العمل الإعلامي، ظلّ يحتفظ بحصّة وافرة من احترام الصحافيين، لأنهم يعرفون قيمة ما قدمه للصحافة السورية. ليست عائلته وحدها وذووه هم من يفقدونه اليوم، إنما تنعيه الصحافة السورية كلّها كأستاذ ومرجع وشيخ كار».
أما الصحافية السورية ديمة ناصيف، فتقول لنا: «عدا عن علاقة الصداقة مع الراحل، سبق واجتمعت به في دورة تدريبية تابعة لاتحاد الإذاعات العربية، واشتغلنا على وضع البرنامج الذي سيتّبع فيها. طبعاً الأستاذ إبراهيم لا يحتاج إلى شهادة منّي، لأنه بمثابة مدرسة مكتملة، ولو تخصص في الصحافية الاستقصائية، لكنه ربما الصحافي السوري الوحيد الذي اشتغل فعليّاً على هذا النوع من الصحافة، بمعناه الحقيقي كاستقصاء، وكيف يتم التعاطي مع الخبر، ومع الملف الاستقصائي من الألف إلى الياء، بكل مراحله: من جمع المعلومات، وتقاطعها، واللجوء للمصادر وإيراد الأرقام والاحصائيات، ثم المصداقية كنتيجة لكل ما يسبقها. الكثير من الصحافيين السوريين إما لا يعرفون هذا النوع، أو لا يمارسونه بل تذهب المواد نحو الأشياء الآنية دون اللجوء للاستقصاء. هكذا، ظلّ إبراهيم ياخور حتى بعد تركه العمل في الصحافة الورقية والتلفزيون السوري مرجعاً بهذا النوع، وبقي مدرساً وخبيراً في كثير من الدورات التدريبية التي كان يضع لها المنهج التعليمي». تشرح مديرة مكتب تلفزيون «الميادين» في دمشق وتضيف: «طبعاً ربما تكون صفاته الانسانية إلى جانب مهنيته أيضاً هي ما أكسبه اجماعاً وشعبية، لأنه كان دمثاً خفيف الظل، متواضعاً ومتعاوناً، لا يمارس استعلاءً على أحد، ولا ينتقص من مقدرات أحد، ولا يبخل بأي معلومة على كلّ من يريدها، يستوعب فرق الأجيال والمعرفة والخبرة. يتعاطى بشكل أبوي ومحب مع الجميع. أب مثالي وكبير عائلته فعلياً، وتلوذ بله الغالبية العظمى من أقربائه. بقي مواظباً على عمله حتى اقتطع الألم والمرض حصته اليسيرة من حياته. لا نملك بمثل هذا المقام سوى العزاء الخالص لكل محبيه وخاصة ابنه الصديق باسم ياخور».
--
يشيّع الراحل بعد ظهر الغد (الثالثة عصراً) إلى «كنيسة مار ميخاييل للروم الأرثوذكس» في اللاذقية قبل ان يوارى الثرى في المقبرة القديمة (الفاروس). تقبل التعازي في صالة المطران يوحنا منصور في حي الأميركان بعد الدفن مباشرةً حتى الساعة السابعة مساءً، يوم الجمعة 3 شباط (فبراير) من الساعة الرابعة حتى السابعة، ويومي الأحد والاثنين من الخامسة حتى الثامنة في صالة «كنيسة الصليب المقدس» في القصّاع في دمشق