احتفل اللبنانيون في الأيّام الماضية بإعلان بيروت عاصمة للإعلام العربي للعام 2023؛ أو بشكل أدقّ، احتفلت وزارة الإعلام مع وسائل الإعلام اللبنانية بالإعلان و«أجبرا» اللبنانيين على الاحتفال معهما تحت شعار «هنا بيروت». هكذا، اعتبرت كلّ من الوسائل نفسها معنيّة، وأخذت على عاتقها التسويق للموضوع باعتباره إنجازاً لها كونها «جزءاً لا يتجزّأ» من الإعلام اللبناني، مغتنمةً الفرصة لغسل وجهها وتلميع صفحتها و«تجديد ثقة» متابعيها.قنوات وإذاعات وصحف ومواقع إلكترونية ومنصّات على مواقع التواصل وغيرها، عدد كبير منها ذاع صيته باعتماد «الصحافة الصفراء»، وله باع طويل في التجاوزات واختلاق الأخبار المزيّفة والتحريض المذهبي والطائفي والتسويق لسياسيّين ورجال دين وأعمال وسفارات ومصارف ومنظّمات وحتى التطبيع مع العدوّ... كلّ تلك افتخرت بنفسها واحتفت بـ«جهودها» البنّاءة ومساهمتها القيّمة في الصحافة اللبنانية. صحيح أنّ بيروت قد تكون الأفضل في المنطقة من حيث حرّية الصحافة، لكنّ ذلك لا يعني بتاتاً أنّها مثالية كما يتمّ تصويرها. صحيح أيضاً أنّ هناك وسائل إعلام في لبنان تعمل بجهد ومصداقية وتقوم بمهمّتها الإنسانية باحترافية، إلّا أنّ عددها زهيد جدّاً قد لا يتعدّى أصابع اليد الواحدة.
مَن منّا صدّق حقّاً أنّ إعلامنا هو فعلاً كما تمّ تصويره في الأيّام الماضية؟ هل هناك لبنانيّ واحد، مهما كان انتماؤه، لا يتذمّر من الإعلام في البلد؟ أيّ عاصمة إعلامية هذه قنواتها التلفزيونية تابعة لأحزاب وطوائف ورجال أعمال، فيما قناتها الرسمية تكافح للبقاء؟ أيّ عاصمة إعلامية هذه يُسرق أرشيفها في «الوكالة الوطنية» ولا يرفّ جفن أحد من إعلاميّيها قبل مسؤوليها؟ أيّ عاصمة إعلامية هذه إعلاميّوها بغالبيّتهم ارتضوا أن يكونوا أبواقاً لسياسيّين ومصرفيّين بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانهيار المستمرّ على كلّ المستويات؟ أيّ عاصمة إعلامية هذه بعض وسائل إعلامها تعتمد التحريض الطائفي والتقسيمي والفتنوي علناً من دون رادع، وتُظهر عدم إنسانيتها في ما خصّ مجموعات مهمّشة، و«تطبّل» لدول أجنبية وحكّامها، وتستغلّ المعاناة الإنسانية والكوارث الطبيعية والمصطنعة من أجل بعض المشاهدات أو نقاط الـ«رايتينغ» أو «الإعجابات»؟ أيّ عاصمة إعلامية هذه مؤسّساتها الإعلامية تعتاش على التوريث والتمويل من سياسيّين ودول و«هندسات مالية»؟ أيّ عاصمة إعلامية هذه يغيب فيها أيّ قانون عصريّ لتنظيم الإعلام، فيما مجلس النوّاب غائب كلياً عن السمع؟
يمكن الاحتفال والتهريج بقدر ما نشاء، لكنّنا نعرف في بواطن خواطرنا أنّ الواقع مخالف. تماماً كما نحتفل بـ«وجه لبنان الحضاري» المتمثّل بحفنة من مصارف وجامعات أثرياء ومستشفيات خاصّة ومتاجر ضخمة وغيرها من مؤسّسات أفادت من «السعدنات» المالية، وبكنيسة ومسجد جنباً إلى جنب، وبتمثال ديني هنا ونصب تذكاري هناك، وبمنتجعات متعدّية على الأملاك البحرية، وبتصدّر لائحة طعام، والأهمّ، بملعب غولف يحتلّ أملاكاً عامّة وخاصّة... فيما ندرك أنّ الواقع «متل ما شايفين».