بعد ملاحقة مراسل قناة «الجديد» رامي الأمين (الأخبار 29/5/2013)، تحرّك «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية» مجدداً، لكن في مهمّة مختلفة هذه المرّة. استدعى المكتب الكائن في منطقة فرن الشباك (جبل لبنان) أمس الناشط اللبناني جان عاصي للتحقيق معه في تهمة «الإساءة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان» على خلفية مجموعة تغريدات كتبها على حسابه الشخصي على تويتر، قبل أن يطلق سراحه بضمان سند إقامة.
توقيف عاصي أثار مجدداً عدداً من علامات الاستفهام تتعلق بحرية التعبير وتصرّف «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية» كضابطة عدلية تلاحق وتستدعي، كما أطلق حملات تضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها ذهب إلى توظيف القضية والمتاجرة بها في دهاليز السياسة اللبنانية. وزير الاتصالات نقولا صحناوي سارع إلى استنكار ما أقدم عليه المكتب التابع للشرطة القضائية، مطالباً عبر تويتر الرئيس سليمان بـ«التسامح»، مذكراً إيّاه بكمّ الإهانات التي «تعرّض لها مراراً»، لينضم إليه زميله في «التيّار الوطني الحرّ» وزير الطاقة والمياه جبران باسيل الذي راح أبعد من ذلك. استبدل باسيل صورته الشخصية على تويتر بصورة عاصي مذيّلة بهاشتاغ «#كلنا_جان_عاصي»، مؤكداً أنّ «حرية التعبير مقدّسة وأنّ توقيف الشاب أمر مشين جداً». كذلك أعلن المنتج اللبناني ميشال إلفتريادس أنّه يتواصل مع «جهات أمنية عليا» لحل المسألة، محذّراً في تغريدة أخرى رئيس الجمهورية من أنّ «عدم إطلاق سراح عاصي اليوم (أمس) سيدفعني إلى قول رأيي بك، ولن يعجبك الأمر». من جهته، يقول جان عاصي لموقع «الأخبار» الانكليزي إنّه تم استدعائه بسبب تغريدات قديمة تعود إلى أربعة أشهر، و«أجبرني القاضي من دون وجود محام على توقيع تعهّد بعدم التعرّض لموقع الرئيس. لم تُرفع أي دعوى، لكنني لا أعلم ماذا سيحدث لاحقاً». عندما غادر مكتب التحقيق، وجد عاصي زجاج سيارته مهشماً، يقول: «قد تكون تلك رسالة من أحد».
في مقابل الأصوات الرافضة للاستدعاء، برزت الكثير من الآراء التي تحفظّت على أسلوب عاصي في التعبير عن رأيه، مستخدماً «كلمات نابية تخرج عن إطار حرية التعبير وتصل إلى حدود الإهانة». سواء كان الناشط اللبناني مخطئاً أو لا، الأكيد أنّ فوضى عارمة تضرب صلاحيات السلطات المعنية في بلدنا الصغير، حيث لا قوانين إعلام واضحة تلحظ معايير حرّية الرأي والتعبير، خصوصاً لجهة الإعلام الإلكتروني. مؤسسة «مهارات» المعنية بالدفاع عن الحريات بدورها علّقت على توقيف عاصي، مؤكّدة في بيان صادر أمس أنّ «النقد السياسي للرؤساء والشخصيات العامة هو حق لكل مواطن وصحافي في المجتمعات الديمقراطية ضمن الحدود المتعارف عليها التي يضع إطاراً لها الاجتهاد القضائي والعرف والممارسة الديمقراطية صوناً للحريات العامة». وشددت المؤسسة على أنّ مشروع قانون الإعلام الجديد الذي اقترحته أخيراً ويناقش حالياً في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية يتضمن مجموعة من الإصلاحات من شأنها «إلغاء التوقيف الاحتياطي لكل من يعبّر عن رأيه، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وإلغاء عقوبة الحبس». وسط فوضى التحريض والخطاب الاعلامي الموتور الذي تشهده الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة، يبقى السؤال: لماذا تحرّكت الأجهزة الأمنية ضد مواطن عادي يتسلّى وينفّس عبر تويتر؟