بدا مشهد الفضاء العربي والقنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية أكثر فظاظة ووقاحة خلال تغطية أحداث صيدا، خصوصاً قناة «العربية» التي تبنّت بخطابها وأخبارها جريمة أحمد الأسير، بل ذهبت إلى مساندته وتصويره كضحية. لا شكّ في أن خبر «العربية» العاجل على شاشتها أمس «صمود الشيخ الأسير بالرغم من هجوم الجيش وحزب الله وحركة أمل»، كان مدوياً في كشف القناع عن القناة الحامية للقتلة والمدافعة عنهم.
ثم أتى بعده تقرير إخباري مساند تقول فيه مراسلة القناة علياء عز الدين إنّ «صمود الأسير حصل رغم عنف الجيش، و«حزب الله»، وحركة أمل». أكثر من ذلك، ادّعت المحطة السعودية أنّ أعداداً من «حزب الله» سقطوا هناك، نقلتها عمّا سمّته «مصادر مطلعة». كل هذا الترويج رافقته صورة يتيمة ظلّت القناة السعودية تبثها منذ أول من أمس، لعائلة نازحة خائفة تهرب من نيران الموت لتعمّم بذلك حالة الهلع هناك وإخلاء المنازل.
لا شك في أنّ «العربية» كانت «رائدة» التحريض والدفاع عن القتلة أمس. قالت في أحد تقاريرها أيضاً إنّ «الجيش اللبناني يحاصر الأسير وأنصاره في المسجد»، والأسوأ من كل هذا، اعتمادها على أصوات لبنانية خرجت تساند الشيخ السلفي وتقحم «حزب الله» في المعركة. ولعلّ أبرزهم النائب نهاد المشنوق الذي دعا الجيش «إلى إخلاء صيدا من سرايا الفتنة»، والصحافي في صحيفة «الجمهورية» أسعد بشارة الذي ادّعى أن «حزب الله» يقاتل إلى جانب الجيش، لينتهي المطاف عند مدير تحرير «الجمهورية» شارل جبور الذي قال إن «الأسير استُدرج إلى هذه المواجهة العنيفة»! بعدها، فتحت «العربية» الهواء لنواب «المستقبل» من بهية الحريري التي ادّعت أن منزلها محاصر بعناصر من «سرايا المقاومة»، إلى فؤاد السنيورة الذي برر جريمة الأسير متّهماً «حزب الله» بـ«المساهمة في بروز الظاهرة المسلحة للأسير». واللافت هنا تبادل الأخبار والتصريحات بين «المستقبل» و«العربية» في تماه تام في السياسة والتوجّه.
عند كل مفصل حدثي، نجد الانسجام بين «العربية» و«الجزيرة» الذي يصل إلى حدّ الاستنساخ في الأخبار والعناوين. راحت «الجزيرة» تنقل العنوان حرفياً في عرضها لأحد التقارير، عندما أوردت أنّ «الجيش يحاصر المسجد الموجود فيه الأسير». كذلك، برز في هذه التغطية اصطفاف قناة «france 24» التي نطقت أول من أمس بما يرّوج له وادعت أن «حزب الله» يقاتل إلى جانب الجيش اللبناني. كذلك تبنّت المحطة ومعها «bbc عربي» وصف الأسير بـ«رجل الدين السني المتشدد والمناهض لـ«حزب الله» الشيعي». وعلى خلاف أدائها السابق في تبيان وجهتي النظر المتصارعة، راحت القناة الفرنسية تستضيف وجوهاً من توجّه واحد أمثال النائب السابق مصطفى علوش الذي برّر فعلة الأسير. أما «الميادين» فأفردت تغطية حيّة من صيدا وطرابلس، وفتحت هواءها للمحللين وللسياسيين، مع تركيزها على أعداد القتلى في صفوف الشيخ السلفي وإيرادها أرقاماً لافتة. كذلك كانت المحطة تصوّب على فكرة منع الأسير سيارات الإسعاف من الدخول إلى منطقة عبرا لإجلاء الجرحى.
هو بالتأكيد انقسام في التعاطي مع أحداث صيدا، لكن هذه المرة لا يمكن الركون أو التسليم بأن ما بثّ هو عرض لوجهة نظر، بل ذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك في معركة وطنية يخوضها الجيش اللبناني ويجري التحريض عليه والدفاع عمّن يسفك دمه ببرودة شديدة.