«اللبناني ليس عنصرياً، لكن الشارع لا يتسع للمزيد من المآسي» بهذه الجملة قرّرت نوال بري مراسلة تلفزيون «الجديد» أن تختم تقريرها أول من أمس حول انتشار اللاجئين السوريين في لبنان. الإعلامية اللبنانية التي بدأت تقريرها بتصريحات لبعض أمراء الخليج «المحسنين» على الشعب السوري بالملايين، متحدثة عن مبلغ مليار ونصف مليار دولار، واصفة الأموال التي صرفت باسم الشعب السوري بالطائلة، انتقلتْ بعدها لتتحدث عن «أفراد كثر انتشروا في شوارعنا تحت راية النزوح السوري»، مع التقاط مشاهدٍ لأطفال ينامون على حافة الأرصفة، أو يركضون هرباً من عدسات الكاميرات، أو يقتربون منها لبيع العلكة. كان الأجدى بالمراسلة السؤال عن مصير الأموال التي دخلت الى البلاد باسم اللاجئين.
ربما، بحسن نيّة، افترضتْ برّي غياب الفساد اللبناني عن هذا الملف. لكن هل فعلاً تم صرف الأموال لتخفيف معاناة اللاجئين السوريين؟ رائحة الفساد في هذه القضية التي تفوح من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء لا توحي بذلك. آلام النازحين التي نشاهدها بأمّ العين تثبت العكس. تلك المعاناة عرضتها بري بأكثر الطرق إهانة للشعب السوري، منتهكةً خصوصيات الناس، لتقوم فجأة بلعب دور ضابط شرطة أو عنصر التحرّي، فتسأل الناس عما يبيعون ومن أين أتوا، وعما اذا كانوا فعلاً سوريين، طالبةً رؤية الهويات الشخصية. وبطريقة فوقية مثيرة للاشمئزاز، عرضت لقطة لها تقدم فيها بقايا مال الى أحد «المتسولين» كما وصفتهم.
لم تُخبرنا بري بأنّ هؤلاء هم بشر قبل أن يكونوا لاجئين سوريين أم متشردين أم متسولين يعيش معظمهم في الشارع، ويقضون نهارهم تحت أشعة الشمس الحارقة، وينامون تحت جسر الكولا في أبشع الظروف متعرضين لكل أنواع الاساءة والتحرش والاستغلال. ولم تخبرنا أيضاً بأن المقابلة التي أجرتها مع وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور عن التسول في منطقتي الكولا وصبرا مستنتجة أنّ سببه الحرب السورية، بأنّه سبق لاحدى زميلاتها في المحطة نفسها أن أجرت قبل ثلاث سنوات (أي قبل الأزمة في سوريا)، مقابلة مع الوزير نفسه الذي شرح بأنّ هناك مافيات تستغل الأطفال المتشردين. وقتها، ألم يعدنا أبو فاعور بأنّ الوزارة ستتحرك بالتعاون مع القوة الأمنية؟ لم لم تسأله بري عن مصير وعده الذي لو وفى به لما كان هناك أي مافيا تستغل النازحين وأطفالهم اليوم؟
حاولت بري إخفاء معالجتها السطحية للملف حين برّرت في ختام تقريرها بأنّ «الشعب اللبناني ليس عنصرياً، لكن شوارعه لم تعد تتسع للمزيد من المآسي». لذا فليخبر أحد بري بأنّ «الجديد» بيّنتْ سابقاً العنصرية تجاه اللاجئين السوريين، فأي رسالة تحاول ايصالها بري التي بدت بأنها تود التفرد عن القناة التي تعمل فيها وعن باقي زملائها لتدافع عن «لا عنصرية اللبنانيين» بتبرير عنصريتهم. أما في هذا المقال أيضاً فلنبرر العنصرية اللبنانية لكن على طريقة بعض الناشطين. فعلاًَ ليس كل اللبنانيين عنصريين، فمنهم من رفع يافطة على أحد الجسور تقول: «أهلا باللاجئين والعمال السوريين في لبنان، وعذراً على ما يفعله العنصريون منا».