القاهرة | المنتج الأكثر عرضةً للانتقادات قبل الثورة هو الأكثر استمراريةً بعدها! لم تتغيّر السينما المصرية لأنّ الثورة لم تكمل أهدافها بكل بساطة. الكلّ ما زال يتحدث عن محمد السبكي، المنتج الذي ينحدر أصلاً من عائلة تخصصت في تجارة اللحوم. من بين سبعة أفلام تعرض في الصالات المصرية في عيد الأضحى، كانت أربعة منها من إنتاج الأخوين أحمد ومحمد السبكي. كثيرون لا يفرّقون بين الأخوين رغم انفصالهما قبل حوالي خمس سنوات.
أحمد السبكي يستعين بنجله كريم الذي دفع بوالده إلى تقديم نوعية مختلفة من الأفلام التجارية بدأت بـ«كباريه» و«الفرح» وأخيراً «ساعة ونصف» و«الآنسة مامي» وكلّها أفلام تحافظ على الحد الأدنى من فن السينما وتلقى قبولاً جماهيرياً وتحتفظ دوماً بنهاية أخلاقية. لكنّ الأفلام التي تكتفي بالنكهة السبكية التقليدية ـــ رقصات وأغنيات شعبية ـــ لا تزال موجودة على قائمة أحمد وولده كريم. هكذا، قدما فيلم «شارع الهرم» لسعد الصغير، والآن «عبده موتة» لمحمد رمضان.
أما محمد السبكي، فقد حافظ حتى الآن على النكهة المعتادة لأفلام السبكي. وقد طرح في عيد الأضحى «مهمة في فيلم قديم» لفيفي عبده. لكنّه فاجأ الجميع بالتعاقد مؤخراً مع النجم أحمد مكي لتقديم فيلم «أبو النيل» العام المقبل. يحدث هذا رغم ما قيل عن تدخّل محمد السبكي في عمل المخرجين. لكنّ الوضع سيكون مختلفاً مع أيمن بهجت قمر وعمرو عرفة مؤلف ومخرج فيلم مكي الجديد. استفادت عائلة السبكي من تراجع معظم منتجي السينما المصرية ومن الأرباح التي حققتها على مدار السنوات الأخيرة، فنادراً ما يخسر فيلم لـ«السبكية». وها هي العائلة تصبح الأكثر استمرارية على الشاشة وخلفها شركة «نيوسينتشري» المملوكة لرجل الأعمال الأردني وليد الكردي. أما الكيانات الانتاجية الضخمة فتتواجد على استحياء. منتجة بحجم اسعاد يونس لم تقدم منذ قيام الثورة سوى فيلمين فقط «سيما علي بابا» و«حلم عزيز». بذلك، يمكن تحويل الشعار الانتخابي للرئيس محمد مرسي «النهضة إرادة شعب» إلى «السبكي إرادة شعب»، فهو قد يكون الشخص الوحيد في مصر على كل المستويات الذي أدرك ماذا يريد المصريون. بالتالي على من ينتقد «سبكنة السينما» أن يقدم البديل، تماماً كما يقال للخائفين من «أخونة الدولة» وسيطرة التيار الاسلامي على مفاصلها كما سيطر أبناء السبكي على السينما المصرية. هنا أيضاً اقترب الممثلون من الحالة التي يعيشها بعض السياسيين في مصر ممن يتهمهم المعارضون بالتحوّل. أمام الأمر الواقع، قرّر الممثلون التعاون مع السبكي تماماً كما فعل السياسيون مع الإخوان. السبكي فعلاً تحوّل إلى أمر واقع، بل إنّ عجلة الانتاج السينمائي ستتوقّف في غيابه. وإذا كانت قلة من الفنانين قادرين على الصمود والبحث عن خيارات مختلفة، إلا أنّ إلقاء اللوم على الأغلبية الباقية ليس مبرراً ما دام لا يوجد بديل. والأهم أنّ من يشاهدون الأفلام التجارية الراقصة للسبكي هم الذين صوّتوا للاسلاميين في البرلمان والرئاسة! تناقض صدم الذين حسبوا أنّ تنحّي مبارك سيقلب أولويات المصريين رأساً على عقب. السبكي كان الأكثر فهماً لما يحدث على الأرض، فدفع بأفلام ترضي «مزاج» الملايين في صالات العرض.