دمشق | غاب صدى السوريين فجأة، وخبا حضورهم الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، وغاب صوت أحزانهم، وهدأت نبضات قلوبهم الخافقة قلقاً وألماً على بلادهم التي تستباح هذه الأيام، فبدا المشهد كأنّ موجة من الصقيع تجتاح ثناياه. هكذا بدت الصورة أمس وأول من أمس بعد انقطاع الاتصالات الخليوية والأرضية والانترنت في خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع الانتفاضة. مبدئياً، ظنّت الغالبية أنّ الأمر لن يطول، وما هو إلا وقت مستقطع حتى يتفتّح بعدها ياسمين دمشق مجدداً.
لكنّ ساعات طويلة مرت من دون أن يلمع الضوء الأخضر على صفحات الفايسبوك، إلى جانب اسم أحد السوريين المقيمين في الداخل. وحالما غابت شمس اليوم الثاني لهذا الانقطاع المفاجئ، توهّجت أقلام السوريين المقيمين خارج بلادهم والناشطين المتضامنين معهم. فإذا بجدران الصفحات الافتراضية تتحوّل إلى مساحة نظمت فيها مسيرات الكترونية انطلقت بشكل عفوي للتعبير عن التعاطف مع السوريين المغيّب صوتهم. ومن لبنان، كانت المشاركات الأكبر. بصيغة موحدة، كتب رواد الفضاء الافتراضي من بيروت «هنا دمشق»، تلاه صوت الجنوب المقاوم، ثم الهرمل، ليصل الأمر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من عكا وحيفا والقدس، وسرعان ما وصل النداء إلى باريس، ثم أثينا تليها ماليزيا. اتفق أخيراً الناشطون على أنّ الصوت يجب أن يكون من الجهة اليسرى مكان النبض، فتوحّدت الأصوات في تعليق مميّز يقول: «من قلبي هنا دمشق». بينما علقّت مديرة إحدى المؤسسات الثقافية في باريس بالقول «من خلايا الجسد وأنفاس الروح، هنا دمشق». فيما كتبت كندة علوش من مكان إقامتها في مصر: «من القاهرة هنا دمشق. من ميدان التحرير من صيحات الأحرار. من قلبي، هنا دمشق، من روحي، من وجعي.. هنا دمشق». وما هي إلا لحظات حتى أطلّ المخرج السوري عامر فهد ليبلغ زوّار صفحته بأنّ الأمر صار مسيرة الكترونية شعارها جمل مختصرة: «قلبنا ينبض... عقلنا يفكر... صوتنا يصدح... هنا سوريا أينما كنّا».
في حين أعلن آخرون إضرابهم عن الكتابة عن مشاعرهم على مواقع التواصل الاجتماعي فـ «إن غاب السوريون، لمن نكتب؟! وإليك يا دمشق وإلا لمن؟».إذاً، لليوم الثاني، تغيب سوريا عن العالم الافتراضي ليتألق حضورها في وجدان السوريين المغتربين والعرب المتضامنين، وليختم الجميع بقاعدة تختصر الحكاية: حتى لو انقطع الهواء، لن تغيب عاصمة عمرها 7 آلاف عام من الحضارة.