القاهرة ــ بعد ست ساعات فقط على تنحّي حسني مبارك، ظهر محمد حسنين هيكل على قناة «دريم» بعد غياب سبع سنوات عن الشاشات المصرية. وفي اليوم التالي، عاد محمود سعد إلى التلفزيون المصري، بعدما أعطاه وزير الإعلام السابق أنس الفقي إجازة مفتوحة منذ اليوم الثاني للثورة!في الواقع، عندما أدرك التلفزيون المصري أنّ الحصار بات محكماً عليه من المتظاهرين يوم الجمعة الماضي، نزل تامر حنفي مذيع قناة «النيل للأخبار» إلى الشارع وطلب من المحتجين أن يقولوا ما يريدون على الهواء مباشرة. لم يكن مبارك قد تنحّى بعد، لكن موظفي التلفزيون المصري أدركوا أنّ النظام سقط وأن لا أحد سيحميهم من المتظاهرين إلا بالانضمام إليهم. تكلّمت سيدة مصرية بسيطة وقالت إنّها لجأت إلى «الجزيرة» و«العربية» بحثاً عن أخبار بلدها، مضيفة أنّها تتمنى العودة لمتابعة الحقيقة على التلفزيون المصري. والقصد هنا ليس التلفزيون الرسمي فحسب، بل كل القنوات الخاصة التي عانت حصاراً فرضه عليها وزير الإعلام أنس الفقي الذي قُبلت استقالته مساء السبت على الهواء مباشرة في اتصال هاتفي أجراه رئيس الوزراء أحمد شفيق مع قناة «الحياة»، وسأله المذيع شريف عامر عن موقف الفقي بعدما قرر النائب العام تحديد إقامته والتحقيق معه في اتهامات بالفساد. وبناءً على أوامر من الجيش، كان التلفزيون المصري قد وجّه بياناً للمصريين يبارك فيه نجاح «ثورة النيل» في إشارة أخيرة إلى انتهاء سيطرة النظام على «ماسبيرو». هكذا في ساعات معدودة، انتهى أنس الفقي إعلامياً وسياسياً، لكن القنوات المصرية العامة والخاصة لم تتأخر في الإفادة من مزايا الثورة.
ليلة الجمعة، كان محمد حسنين هيكل يجيب عن أسئلة منى الشاذلي على قناة «دريم» في حوار أكد فيه أن المصريين صنعوا أول ثورة تكنولوجية في التاريخ. وذكّرته الشاذلي بأنّ القناة نفسها تعرّضت لمضايقات جمّة منذ سبع سنوات بسبب ظهوره على شاشتها قبل أن يلجأ إلى «الجزيرة الرياضية».
ويوم السبت، استضافت الشاذلي حمدي قنديل أحد أكثر الإعلاميين المصريين تعرضاً لمضايقات النظام السابق. مع ذلك، قال قنديل للشاذلي إنّه لن يعود لتقديم البرامج على التلفزيون المصري، مضيفاً أنّ الفرصة يجب أن تتاح للشباب الذين صنعوا الثورة وأخلصوا لها. وفي التوقيت نفسه، أطلّ محمود سعد بعد غياب طويل من نافذة برنامج «مصر النهارده» الذي كان وزير الإعلام السابق ينفرد بتحديد سياسته الإعلامية. وكان سعد قد غاب عن تغطية انتخابات مجلس الشعب، وعاد مطلع الشهر الماضي ليحيّي الثورة التونسية، قبل أن يمنع من جديد عندما رفض وصف أصحاب تظاهرات «25 يناير» بأنهم «قلة مشاغبة». هكذا، تجرأ عليه الفقي ومنحه إجازة مفتوحة. لكن سعد أطلّ ليحاور العالم المصري أحمد زويل، وبعده مدير مكتب قناة «الجزيرة» السابق حسين عبد الغني الذي كان النظام يعدّه من أعداء مصر. كذلك، صرّح سعد بأنه سيخصص الحلقات المقبلة للأسماء التي منعت من شاشة التلفزيون المصري مثل محمد حسنين هيكل وإبراهيم عيسى، إذ لم يعد هناك رقيب كما يدرك الإعلاميون المصريون الآن. لكنّ الأمر لا يعني عدم محاسبة الذين أسهموا في استفزاز الجمهور، إذ مُنع الإعلامي الحكومي تامر أمين من الظهور في البرنامج نفسه حتى إشعار آخر. لكن يبدو أن بعض مناهضي الثورة لم يتعلّموا الدرس، إذ تعرض سيّد علي وهناء السمري مساء الجمعة الماضي لإهانة مباشرة على الهواء من الفنان أحمد عيد الذي تعجّب من ظهورهما على الشاشة ومساندة الثورة بعد كل ما فعلاه لإفشالها. ثم أقفل الخطّ في وجهيهما ليتبادل المصريون المقطع عبر «يوتيوب» متعجبين من استمرار هؤلاء الإعلاميين حتى من دون الحصول على إجازة قصيرة كي ينسى الناس ما فعلوه بشباب ميدان التحرير. على باقي القنوات، استمرّت النوافذ المفتوحة على مصراعيها في استضافة الممنوعين في عهد مبارك. أطل وزير الإسكان السابق حسب الله الكفراوي على قناتي «الحياة» و«أون. تي. في» مستخدماً أسلوبه الشعبي المحبب إلى الجمهور في جَلد رموز العهد البائد، خصوصاً في المجال الاقتصادي. هو الذي سُرِّح من منصبه منتصف الثمانينيات بسبب رفضه تخصيص الأراضي لأبناء مبارك وأقاربهم، فيما استضافت منى الشاذلي أمس الأحد رئيس الوزراء المصري الأسبق كمال الجنزوري ليتكلم بعد 11 عاماً من الصمت، بينما أعرب الكاتب الساخر بلال فضل يوم الجمعة الماضي عن سعادته بالإطلالة من تلفزيون بلده ضمن مكالمة مع لميس الحديدي على «نايل لايف». وهو الأمر نفسه الذي عبّر عنه عمرو خالد الممنوع هو أيضاً منذ 10 سنوات على حد قوله.