دمشق | حين أفرجت الرقابة السورية عن فايسبوك قبل أشهر، استبشر رواد الإنترنت خيراً في هذه البادرة، وأصبح تصفح الموقع الاجتماعي المعروف عادياً حتى في مقاهي الإنترنت، بعدما كان مغامرة لا تُحمد عقباها. لكن في الأيام الأخيرة، تعرّض الموقع لحجب متقطع تزامن مع اعتقال بعض متصفحي فايسبوك في المقاهي التي تقدم هذه الخدمة، أو من منازلهم كما حصل مع الناشطة رزان زيتونة. والهدف من ذلك إفشال جميع الأنشطة الشبابية السلمية التي يُدعى إليها على صفحات الموقع، والحد من تبادل مقاطع الفيديو المصوّرة بالهواتف الخلوية على موقع «يوتيوب». وسط هذا، عرضت الفضائية السورية برنامجاً خاصاً حاول القائمون عليه رسم سيناريوات مختلفة في محاولة لتبيان أنّ «موقع فايسبوك مرتع للمندسّين والمخربين، وجزء لا يتجزأ من مخطط المؤامرة على سوريا» مستشهدين بصفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد» متناسين أنّ عدداً كبيراً من متصفحي الموقع نفسه، هم من المؤيدين للنظام السوري، وتأييدهم قد يبلغ أحياناً حد التطرف! علماًَ بأنّ صحيفة «الثورة» السورية رأت أن إدارة فايسبوك «متواطئة مع أصحاب الثورة المزعومة في سوريا» بعد إغلاق الموقع صفحات مؤيدة للنظام.وجاء ذلك بعدما تحولت صفحات فايسبوك إلى ساحة حرب تبادلت فيها فئة موالية للنظام اتهامات التخوين والسخرية والشتائم، مع فئة أخرى متعاطفة مع الثورة وشعاراتها الهادفة إلى التغيير. عشرات الصفحات والمنتديات حملت أسماء مثل «قائمة العار السورية: سوريون ضد الثورة»، و«قائمة الشرف السورية: سوريون مع الثورة»، و«قائمة الغباء الأعظم والخيانة العظمى»، و«بشار الأسد حامي سوريا والعرب» وغيرها من الأسماء المشابهة، تبادل فيها الشباب السوري أفكاراً وحوارات وتعليقات يمكن تلخيص مجمل مضمونها بتخوين الطرف الآخر واتهامه بالعمالة، مقابل إظهار وطنية وانتماء الطرف الذي يمثله المتحدث، وغياب الحوار الحقيقي أو المنطقي، وتبادل شتائم وتبنّي خطاب يقوم على محاولة إلغاء الآخر. أضف إلى ذلك الخطابات الطائفية التي تفرّدت بها بعض الصفحات والمنتديات الأخرى. يبدو أن الشباب السوري مقبل على خطر انشقاق كبير في بنيته، يفوق في خطره الطائفية أو الحزبية أو المذهبية. إنّه صراع على تأكيد الانتماء والمشاعر الوطنية القائمة على إلغاء الطرف الآخر! أما خطاب الإعلام الرسمي المعني المباشر بما يدور على الأرض، فلا يزال يعمل أحادياً، لكونه لا يعترف بسقوط قتلى من المدنيين برصاص رجال الأمن، ولم يعرض حتى الآن مشهداً واحداً من جنازة أحدهم، أو من تظاهرات مناهضة للنظام إلا في ما ندر. هو يركّز كثيفاً جداً على عرض مشاهد من تشييع الشهداء من رجال الأمن أو الجيش، مساهماً مباشرةً في تعميق الخلاف بين وجهات النظر المختلفة، والقراءات المتباينة للأحداث التي تعصف في سوريا. فإذا كان الإعلام الرسمي لا يعترف بالتظاهرات الاحتجاجية السلمية، فكيف له إذاً أن يعترف بقتلاها؟