القاهرة | مجدداً، أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي أنها عصيّة على الحصار. خلال الثورة المصرية، كان لموقعَي فايسبوك وتويتر الشهيرَين دور كبير في نقل الصورة الحقيقية للقمع الذي كان يتعرّض له المصريون. ومع انتصار الثورة وسقوط حسني مبارك، توالت الصور، والأشرطة، والأخبار التي تكشف مغارات الفساد، والاستبداد التي تحكّمت بمصر أكثر من ثلاثة عقود، حتى أطلق بعضهم على ثورة «25 يناير» اسم «ثورة الفايسبوك».
استعادت هذه المواقع أول من أمس زخمها، لكن هذه المرّة في محاولة لكسر قرار حظر النشر في قضية قتل المتظاهرين خلال الثورة. وهي القضية التي سُجن على ذمّتها كل من حسني مبارك ونجليه علاء وجمال، ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وستة من كبار مساعديه. وكان رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت قد منع النقل التلفزيوني المباشر للمحاكمة منذ الجلسة الثالثة. ثمّ أصدر قراراً يحظر فيه نشر شهادات المسؤولين الذين قابلهم وهم رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس أركان القوات المسلحة سامي عنان، ونائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان، ووزير الداخلية الحالي منصور العيسوي، ووزير الداخلية السابق محمود وجدي. أما سبب هذا القرار فهو «الحفاظ على أسرار الأمن القومي»، و«السماح للمحكمة بمداولة القضية من دون تأثير هذه الشهادات على الرأي العام».
هكذا التزمت وسائل الإعلام بقرار حظر النشر، لكن عندما تأجلت شهادة المشير طنطاوي بعد أحداث السفارة الإسرائيلية، جرى تسريب مضمون شهادات عمر سليمان، ومنصور العيسوي ومحمود وجدي، لكن على نحو متقطّع أي لم تنشر النصوص كاملة. إلى أن شهد صباح السبت الماضي حادثةً غيّرت مجرى الأحداث: مَثَل المشير أمام المحكمة وأدلى بشهادته التي أعقبتها ثورة من محامي أهالي الشهداء. رفض هؤلاء طريقة تعامل المحكمة مع الشاهد ـــــ الرجل الرقم 1 في مصر الآن ـــــ وعدم السماح لهم بسؤاله عن تفاصيل أقواله، فقرّروا رد المحكمة (طلب استبدال القاضي). لكن بغض النظر عن هذه التفاصيل القانونية، برز تطوّر آخر جعل الأحداث تبلغ ذروتها. قام رئيس قسم الأخبار في جريدة «التحرير» محمد الجارحي بالتعاون مع زميله الوليد إسماعيل، بنشر ما وصفه بـ«النص الكامل لشهادة المشير طنطاوي» على حسابه الشخصي على تويتر. وتضمّنت الشهادة بحسب الجارحي 30 سؤالاً وجّهتها المحكمة للمشير، ولم تنقل الصحف المصرية أياً منها التزاماً بقرار حظر النشر. لكن صفحات فايسبوك، ومعها تويتر وباقي مواقع التواصل نقلت الأسئلة والأجوبة واحداً تلو الآخر. وحبس المصريون أنفاسهم عندما توقّف الجارحي عن الكتابة لمدة نصف ساعة. إذ ظنّ كثيرون أنّ مكروهاً أصابه، أو أنه اعتقل. لكن الصحافي المصري استكمل مهمّته بنجاح، فنشر كل الشهادة.
لا شكّ في أن ما فعله الجارحي عُدّ سابقة، لجهة تجاهل قرار حظر النشر الذي بات يستفزّ أغلب المصريين. إذ انسحب هذا القرار نفسه على المحكمة الخاصة بقضية الشهيد خالد سعيد، كأن للقضية تأثيراً على «الأمن القومي». وقد رأى المصريون، وخصوصاً الداعمين للثورة، أنّ هذا القرار هو تجاهل واضح للقيمة التي تحظى بها هذه القضية تحديداً في الشارع المصري.
باختصار، يمكن القول إن قرار حظر النشر الذي خرقه الجارحي، حفّز كل المصريين، فعمدوا الى نقل هذه الشهادة على حساباتهم الخاصة على فايسبوك وتويتر، متأكّدين من أن قرار ملاحقتهم قضائياً هذه المرة لن ينجح، اللهم إلا لو اختارت المحكمة توقيف آلاف الشباب.
لكن الأنظار اتجهت أيضاً إلى صاحب السبق محمد الجارحي. الأخير فضّل عدم التعليق على «فعلته». لكن مصدراً مقرّباً منه قال لـ«الأخبار» إنه حتى مرور 24 ساعة على نشر الشهادة، لم يتلقّ الجارحي أي استدعاء رسمي. وأضاف المصدر إنّه لا نية عند الصحافي المصري لنشر الشهادات السابقة لسليمان، والعيسوي، ووجدي في حال توافرها «لأن الهدف كان نشر شهادة المشير طنطاوي تحديداً بما أنها الأكثر تأثيراً». ورغم أن مضمون الشهادة أحبط كثيرين، إلا أنه خرج من يؤكد أنّ ما قاله طنطاوي لم يدن مبارك ولم يبرِّئه، وبالتالي لا يمكن التعويل عليه لحسم هذه القضية. كما أن الأهم أنّ الشعب أصدر بالفعل حكمه على مبارك في كل القضايا والملفات التي أفسدت حياة المصريين طيلة ثلاثين عاماً.



واجب وطني

إلى جانب تناقل شهادة المشير طنطاوي، أصرّ بعض الناشطين على إنشاء مجموعة على موقع فايسبوك بعنوان «الحملة الشعبية لخرق حظر النشر... خرق حظر النشر الآن واجب وطني». وانتقد الناشطون في المجموعة القرار الصادر عن المحكمة الذي يمنع التداول بتفاصيل محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك. وسخر هؤلاء من الحجة التي روّج لها القضاء المصري تبريراً لقراره وهو «الحفاظ على أسرار الأمن القومي»، متسائلين «هل كلام طنطاوي هو الأمن القومي المصري؟» كما روّجوا لشعارات عدة بينها «اللي يحب مصر... أوعى يخاف من الحظر»، وكتبوا عبارات التشجيع للصحافي محمد الجارحي الذي نشر شهادة طنطاوي.