شاربا وزير الإعلام المغربي تحوّلا إلى مقص حاد، وأنف مسؤول كبير بات يشبه أنف الخنزير. أما أذنا قياديٍّ حزبي، فحلّت مكانهما أذنا ذئب. كلا لم يحصل ذلك في القصص الخيالية، بل في رسوم فنان الكاريكاتور خالد كدار الذي لم يتردّد يوماً في تعرية المسؤولين، وخلع الهالة المقدّسة التي أحاطوا أنفسهم بها. وفي كل مرة واجهته انتقادات على جرأته، أجاب بعبارة واحدة: «لن أصالح».
عند الحديث عن الربيع العربي، والحراك الشبابي الذي يعيشه المغرب منذ أشهر، لا يمكن إلا أن نتذكّر هذا الفنان المشاكس الذي لم يتردّد يوماً في انتقاد كل الشوائب والتجاوزات في المملكة، ولو اضطرّ إلى مهاجمة العائلة المالكة. وها هو يستعدّ قريباً لإصدار مجلته الساخرة.
في حديثه مع «الأخبار»، يشرح كدار بداياته مع الرسم: «كنتُ في الثالثة عشرة. حملت قطعة فحم من الأرض وبدأت الرسم على حائط الجيران الأبيض، لم أكن أعرف أن قطعة الفحم السوداء هذه ستغير كل حياتي».
يتذكّر الفنان المغربي كيف ضربه والده لأنه وسّخ جدار الجيران، لكنه يضحك ويقول: «ناجي العلي أيضاً كان يرسم على الخيم... هو أيضاً لم يصالح». ومن حائط الجيران، بدأ رحلته مع الفنّ لينال العام الماضي الجائزة الأولى للمسابقة الدولية التي تنظمها جريدة «صوت الغرب» الإسبانية، عن «رسم الأمير» لذي صوّر فيه الأمير مولاي إسماعيل وهو يرفع يده كما لو كان يؤدي التحية النازية. وقد أثار هذا الرسم جدلاً واسعاًَ عندد نشره، فلوحق كدار قضائياً.
هكذا تمكّن هذا الرسام من تحقيق شهرة واسعة منذ طفولته. لكن الفنان المشاكس لم يبقِ على «براءته»، بل تجاوز الخطوط... إلى أن اختار المساس بالعائلة المالكة فرسم أحد أمرائها، ليحاكم بالسجن أربع سنوات، أوقف تنفيذها في عام 2009. وورّط معه رئيس تحرير يومية «أخبار اليوم» التي نشرت الرسم، بتهمة ما عدّته وزارة الداخلية المغربية آنذاك في بلاغ رسمي «مساً صارخاً بالاحترام الواجب لأحد أفراد الأسرة
الملكية...».
«لن أصالح... لأن ناجي العلي لم يصالح»، يعود ليقول العبارة نفسها مرة أخرى. ويعود خالد كدار هنا إلى عام 1999، وهي السنة التي التحق فيها بالعمل بمجلة «دومان ماغازين» المغربية الساخرة، حين كان يتحدّى كل الممنوعات.
ثم ينتقل إلى عام 2005 حين توجّه إلى فرنسا لدراسة الفنون في إحدى الجامعات الباريسية. هنا، سيتحرر من كل المحظورات وسيرسم الوجوه «المقدسة» في المملكة. وأوصله إبداعه إلى أبرز المطبوعات مثل «لو كانار أنشيني»، ثمّ «لوموند»، «كورييه إنترناسيونال»، وموقع «بقشيش» الذي أقفل لاحقاً...
ويصل في حديثه إلى اليوم: «بعد محاكمة 2009، مورس عليّ حصار شرس... لقد أغلقوا في وجهي كل الأبواب لكي أغادر المغرب مرة أخرى، لكنني لن أغادر بلدي».