لقد كان حضورها كافياً كي يفضّل المشاركون حضور الندوة التي ستشارك فيها، على الندوة الأخرى التي كانت تعقد في الوقت نفسه تحت عنوان «الربيع العربي، الإعلام والشباب»، ولكي تقرّر قناة «تي آر تي» أن تنقلها مباشرة على الهواء، وتعيد بثّها لاحقاً!
الندوة كانت تناقش «التعاون الثقافي، الانعكاسات الإقليمية للمسلسلات التركية»، لكن الجانب الثقافي الوحيد الذي تطرقت إليه كان المسلسلات... التركية! لا أسئلة عن دبلجة مسلسلات عربية إلى التركية مثلاً، وإن عرفنا، على هامش أعمال المنتدى، أنّ الأتراك شاهدوا في منتصف التسعينيات المسلسل المصري «هند والدكتور نعمان». أما النقاش «الثقافي» الذي خيض في الجلسة، فكان عن القيم التي تحملها هذه المسلسلات «المنفتحة» إلى الدول العربية «المحافظة»، وعن نجاحها في محو صور نمطية كثيرة يحملها العربي عن التركي.
إلا أن الجديد في الندوة، كان المعلومات والأرقام التي قدّمها كلّ من مدير الإذاعة والتلفزيون التركي إبراهيم شاهين، والمسؤول في قناة «أم بي سي» في تركيا، دانيال عبد الفتاح عن سوق المسلسلات التركية وصناعتها.
الرجلان تبادلا رواية «قصة نجاح» هذه المسلسلات التي تبدأ ـــــ كما كلّ قصص النجاح ـــــ من «المعاناة». يروي شاهين أنّ إنتاج المسلسلات في تركيا بدأ في التسعينيات، بعد السماح بإنشاء محطات تلفزيونية خاصة، وحلّ بديلاً من شراء مسلسلات من أميركا الجنوبية. تطوّرت هذه الصناعة مع الوقت، وبدأت المسلسلات التركية تتجاوز الحدود إلى الدول المجاورة، ولا سيما دول البلقان، لكنها لم تدخل العالم العربي إلا عام 2006.
هنا يتسلم عبد الفتاح دفة الحديث ليقول إن دخول المسلسلات التركية إلى العالم العربي عام 2006، جاء بعد أربع سنوات من محاولات الإقناع. «منذ عام 2002، كلّفت مهمة الحصول على أعمال الدراما ونشرها. لم يكن الأمر سهلاً، كنت أزور كل مسؤول إعلامي تركي لأشرح له الفكرة، عشرات المرات. زرت أحدهم، وهو أصغر مسؤول في مؤسسة إعلامية، 23 مرة. أكثر من مرة طرح عليّ سؤال: ماذا ستعمل بهذه المسلسلات؟ لذلك أقول إن الخطوة الإيجابية الأولى كانت عام 2004، لكن الخطوة المفصلية كانت عام 2006». التسويق في الدول العربية لم يكن صعباً «في ظلّ أزمة الإنتاج العربية وعدم وجود مسلسلات جيدة»، يقول عبد الفتاح الذي بات ينتج بدوره مسلسلات تركية، بعدما تبيّن حجم الأرباح التي تحققها. وهذا ما يكشفه ارتفاع سعرها أربعين ضعفاً خلال خمس سنوات، «كانت الأسعار ضئيلة جداً في البدايات» يقول شاهين، إذ لم يكن سعر الحلقة الواحدة يتجاوز ألف دولار في عام 2006، ليصل اليوم إلى 40 ألف دولار للحلقة من المسلسلات التي تصنّف درجة أولى أو A+.
الإعلانات العربية قد تسدّد هذه الكلفة، إلا أنها لا تقاس بسوق الإعلانات التركية «التي تعادل كلّ إعلانات العالم العربي» يقول عبد الفتاح. واللافت أن«سعر الثانية يحدّد خلال العرض. في الدقائق العشرين الأولى تكون نسبة المشاهدة مرتفعة، فتكون أسعار الإعلانات مرتفعة؛ إذ يصل سعر الثانية إلى ألف دولار ثم ينخفض تدريجاً». ويبتسم محدّثنا حين يتذكر أن سعر الثانية الواحدة في مسلسل «وادي الذئاب» وصل «إلى أربعة آلاف دولار».
يبرر عبد الفتاح ذلك بالقول إن هناك طريقة مختلفة في تركيا لصناعة المسلسلات: «لا يصوّر المسلسل كاملاً ثم يعاد تركيبه كما في الدول العربية، بل تمثّل كل حلقة على حدة خلال عرض المسلسل». السبب هو خوف المنتج من عدم نجاح العمل، وبالتالي إيقافه عن العرض «يستمرّ عرض المسلسل ما دام يحظى بنسب مشاهدة مرتفعة. وعندما يفشل جماهيرياً، يسحب. لذلك يقدّم المنتج أربع حلقات أولى، تعرض على الشاشة، وبناءً على نسبة المشاهدة تقرّر القناة إذا كانت ستشتري المسلسل أو لا. أي إن المنتج يخاطر مبدئياً بمليون دولار وعندما يبيع، يتابع التصوير». لافتاً إلى أن «مدة الحلقة في تركيا 86 دقيقة. إننا نصوّر فيلماً كاملاً كلّ أسبوع ونعرضه».
اللهجة السورية
أطرى المشاركون في المنتدى على اللهجة السورية التي استخدمت في دبلجة المسلسلات التركية، إذ قال الصحافي العماني حمّود الطوخي إنها لم تكن لتلاقي هذا النجاح لو دبلجت بلهجة أخرى «غير محبّبة إلى قلب الشارع العربي». وقد أكد مدير الإذاعة والتلفزيون التركي إبراهيم شاهين هذا الاستنتاج وأهمية هذا العامل في نجاح المسلسلات حين قال: «لقد استخدمنا لهجات متنوّعة في الدبلجة، من لبنان والأردن، لكن عندما ألقينا نظرة على المعايير، لاحظنا أننا نحصل على عدد أكبر من الجماهير في المسلسلات التي دبلجت باللهجة السورية».