«أنا أرمنية، بعدين سورية»، بلكنة حاسمة، تعلن آراز مارونيان (27 سنة) هويتها. تصر الشابة النازحة من الميدان (حلب) الى برج حمود على إقناعك بأن أرمنيتها تسبق نزوحها. وفي معرض حديثها عن رحلة الموت التي قطعتها الى لبنان منذ سنة واربعة اشهر، تستحضر ذكرى الإبادة قبل الحديث عن نزيف حلب، احتراماً لأسبقية الوجع: «تاريخنا يعيد نفسه». وفي حالة آراز، التاريخ يعيد المأساة كمهزلة، يحتضن الجزار ويتآمر مع السفاح ليتعقب «أبناء الحضارة والثقافة»، على حدّ تعبيرها.
«لأن لدينا حضارة وثقافة أرادوا إبادتنا، أن يمتلك شعب حضارتنا فهو حتماً أمر مزعج للمتعالين والمجرمين»، هذا ما تجيبه آراز عند سؤالها عن سبب اضطهادهم. كثيراً ما تدربت الشابة على هذه الجملة، قبل أن تعتمدها إجابة موحدة لذلك السؤال الملحّ. توصلت الى هذه «الخلاصة» بعد وقت كثير من التفكير. آراز، كما بقية الأرمن، تشعر بأن هناك ألماً مختوماً بين ضلوعهم، يولد لديهم بـ «الفطرة»، وكثيراً ما كانت تسأل: «ليش نحنا؟». لطالما تساءلت حول حجم الكره الذي يدفع بشخص إلى امتهان حرق الأرواح ومطاردة الأنفاس. وعندما لم تلق إجابة تقنعها، عمدت الى خلق «حقيقتها الخاصة». إلا أن أحداث حلب، «جعلتني افكر في طبيعة الإنسان الميالة للإجرام، وقتها عايشت قصص الإبادة التي تربينا على ذكراها، واختبرنا رائحة الموت عن كثب». تحدّثك آراز بلكنة عربية واضحة، تلمع عيناها عند ذكر حلب، «كل شي هنيك غير».
برأيها، موجع شعور الحنين، فهو يذكرك بأنك «ناقص»: «تركت بعضي في حلب». هناك، تعرفت آراز إلى زوجها وأب ابنها المنتظر قدومه بعد ثلاثة اشهر. كان زميلاً لها في كلية العلوم. وهناك كانت تستمتع بأوقاتها مع تلاميذها الأرمن حيث كانت معلمة فيزياء. حتماً، ستعود الى حلب عندما يحل «الأمان»... تفرح آراز لأنها اختارت بيئة ملائمة لمولودها.
لا تعتبر نفسها معنية كثيراً في معاناة النزوح السورية، فإضافة إلى انها توجد في بلد أمها، لبنان، «حيث كنا نتردد دائماً»، وبالتالي «لن أشكّل عبئاً في بلد أمي»، فهي تعتبر أنها وزوجها يعملان هنا، ويؤسسان لحياة تؤهلهما لإنجاب طفل في مجتمع ارمني، تماماً كما كانا يحلمان. تعترف: «لما حدا يدق بالعصب (الأرمن) بستشرس، يمكن شي خصو بإحساس الظلم اللي دايماً منحاربو». تعمل الآن في إحدى مكتبات برج حمود، تبدأ نهارها بتوضيب الصحف وأول ما ستقوم به الشابة العشرينية اليوم، أن تقرأ نفسها بين الصفحات، هذا ما قالته عندما ودعتنا ضاحكةً.