بعد أشهر قليلة من 14 كانون الثاني/جانفي 2011، أوقفتُ تاكسي في مدينة صفاقس (270 كم جنوبي العاصمة تونس)، ليقلّني نحو وسط البلد. أترددُ قليلاً قبل إيضاح الوجهة للسائق: «شارع الحرية؛ 14 جانفي». ينظرُ إليّ بطريقة لم أفهم إنْ كانت تعني عدم الفهم أو الاستغراب، قبل أن يُعلِّق: «وين جا هذا؟»، أي: أين يقع هذا الشارع؟ أبتسمُ وأقولُ: «شارع 7 نوفمبر سابقاً»، ليأتي الردّ: «آه، قول هكة من الأول يا راجل!».«7 نوفمبر» كان اسم شارع من أهم شوارع وسط مدينة صفاقس، وهو يرمز إلى تاريخ وصول زين العابدين بن علي إلى الحكم بعد انقلابه على الحبيب بورقيبة عام 1987. سوف يتغيّر اسمه بعد هرب الديكتاتور التونسي بأسابيع، ليصبح «شارع الحرية؛ 14 جانفي». لكن باستثناء الأرشفة في الوثائق الرسمية، يبدو أن لا أحد يعتمد التسمية الجديدة. في ذلك اليوم، حدّثتُ نفسي عن صعوبة إلغاء شارع واسم من الذاكرة بمجرد مرور أسابيع، وبأنّ الأمر قد يتطلب سنوات.
سبع سنوات مرّت، ولا تزالُ الغالبية الساحقة من سكان المدينة، تسمّي الشارع بـ«7 نوفمبر»، ولا يبدو أنّ الأمور ستتغير.
ستدفعني هذه الحادثة نحو التركيز أكثر مع أسماء شوارع وسط البلد، وأوّل ملاحظة كانت أنّ أهم ثلاثة شوارع في صفاقس تحمل أسماء مرتبطة بالحُكّام والسلطة: نهج الباي (البايات هم حكّام تونس قبل إعلان الجمهورية) الواقع في منطقة المدينة العتيقة (البْلاد العرْبي كما يسميها سكان المدينة)؛ شارع الحبيب بورقيبة في المنطقة ذات الطابع الأوروبي للمدينة («باب بْحَرْ» كما يسميها السكان)؛ و«شارع 7 نوفمبر» في منطقة «صفاقس الجديدة».
علاقة السلطة بأسماء الشوارع، ستقودني بدورها نحو محاولة فهم تأثير تعاقب الحكام والأنظمة في تشكيل وسط البلد وتنظيمه. لكن بما أنّ تاريخ صفاقس يُحسب بآلاف السنوات، فقد يُفضّلُ التركيز على الفترة الحديثة، أي منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى اليوم، ويُمكنُ تقسيمها إلى أربع مراحل.

«المدينة الأوروبية» تُزاحم «البْلاد العرْبي»
بدأ بناء مدينة صفاقس في «نسختها» العربية الإسلامية منذ القرن التاسع ميلادي، في زمن «الدولة الأغلبية»: جامع كبير تحيط به الأسواق، ومن ثم الأحياء السكنية وسور كبير يحمي المدينة. طوال عشرة قرون بقيت هذه المدينة العربية الإسلامية هي وسط البلد الوحيد، بل البلد في حد ذاته. بعد أزمنة بلا منافس، بدأت تظهر تجمعات سكانية خارج أسوار المدينة، أولاً بسبب النمو الديموغرافي للسكان، وثانياً بسبب توافد أوروبيين على المدينة مع بداية عهد الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية.
نشأ حيٌّ إفرنجي شرق المدينة، لجهة البحر، يسكنه أساساً يهود محليون ومسيحيون أوروبيون. بقيت المدينة العتيقة/«البْلاد العَرْبي»، قلب المدينة، إلى أن تمكن الاستعمار الفرنسي من دخولها بعد معركة ضارية استمرت أسابيع (تموز/جويلية 1881)، ضدّ سكان المدينة الذين قاوموا بأسلحة بدائية جيشاً فرنسياً عصرياً يمتلك مدافع وبواخر.
بعد استقرار الأمر للفرنسيين، شرعوا في تركيز سلطتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، عبر بناء مدينة جديدة بمواصفات أوروبية. استُحدثَ مجلس بلدي وإدارات وشبكات تطهير وإضاءة وتوزيع مياه صالحة للشرب وأحياء سكنية خاصة بالأوروبيين، كذلك أُنشئت محطة للقطارات وميناء تجاري.
اهتمام الفرنسيين بمدينة صفاقس، يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة: قربها من عدة مناطق تونسية (الجنوب والوسط والساحل)؛ موقعها على ضفاف المتوسط؛ حركيتها الاقتصادية الكبيرة والمتنوعة (حرف وفلاحة وتجارة).
بُنيت المدينة الأوروبية في المنطقة الفاصلة بين المدينة العتيقة والبحر. تقسّمت السلطة بين المنطقتين: المدينة الأوروبية يُديرها مراقب مدني فرنسي ومجلس بلدي فرنسي، فيما يُديرُ المدينة العتيقة واحد من أعيانها يُسمّى «القايد»، يكون من أعوان السلطة الاستعمارية التي تتحكم في الجميع (عرباً مسلمين ويهوداً وأوروبيين).
تصميم سنان عيسى

المنطقتان كانتا مختلفتين تماماً: شوارع واسعة ومستقيمة في المدينة الأوروبية، تُقابلها أنهجٌ ضيقة وملتوية في «البْلاد العربي». وفيما تنفتح المدينة الأوروبية على البحر والبر، عبر الطرقات والقطارات والبواخر، تنغلق المدينة العتيقة على نفسها داخل أسوارها الدائرية. عمارات المدينة الأوروبية لا تشبه في شيء المنازل الأُفقية المتلاصقة التي يسكنها التونسيون في المدينة العتيقة. حتى الفضاء العام يختلف بين المنطقتين: في الجانب الأوروبي ستُقام الساحات والحدائق والحانات والمقاهي وقاعات السينما والمسارح والمدارس التي يختلط فيها الذكور بالإناث، فيما سيبقى الفضاء العام العربي ذكورياً بحتاً، يتكوّن أساساً من المسجد ومقامات الأولياء والمقاهي التقليدية... والمواخير.
في ثنيّات تلك الأزمنة الصامتة، ستتسع مدينة صفاقس غرباً وشمالاً بعدة كيلومترات، وبعيداً عن أسوار «البْلاد العَرْبي». وفي خفاياها، سيُصبح لصفاقس وسط بلدٍ، بقطبين، واحد عربي إسلامي، وآخر أوروبي؛ الأول يحمل شارعه الرئيسي اسم الباي، فيما يحمل الشارع الرئيسي الأوروبي اسم الفرنسي جول غو، وهو رئيس أول مجلس بلدي في صفاقس.

«الدولة الوطنية» ... تدخل وسط البلد (1956؛1987)
الدولة المستقلة حديثاً، سترثُ وسط البلد من الفرنسيين، وستختار تركيز إداراتها ورموزها في المدينة الأوروبية أو «باب بْحَرْ» كما يُسمّيها السكان. سيتمُّ تركيز مقر الولاية (المحافظة) والبنك المركزي والإدارات الجهوية... وبالطبع مقرّ الحزب الحاكم وقنصلية فرنسا.
في هذا الجزء من المدينة ستتركز أيضاً الحياة الثقافية: المسرح البلدي، المكتبة العمومية، المكتبات الخاصة، أكشاك المجلات والجرائد، دور السينما، مقارّ الصحف، إلخ. منطقة باب بْحَرْ ستتحوّل إلى مركز اقتصادي عصري، يجتذبُ البنوك والمقارّ الاجتماعية للشركات والمحلات التجارية العصرية. كل هذا، بالإضافة إلى المقاهي والحانات والمطاعم... والبحر.
ما فعلته الدولة جريمة لا تزال آثارها حاضرة في ثنايا ذاكرتنا


ستجري «تونسة» أسماء أغلب الشوارع «الفرنسية»، وبالطبع سيُطلق اسم «المجاهد الأكبر» و«محرر البلاد» الحبيب بورقيبة، على الشارع الرئيسي في المنطقة. علاقة «البْلاد العَرْبي» بالمدينة الأوروبية ستتغيّر لتأخذ وجهة التكامل والانسجام بعدما كانت تتصف بالتصادم والتناقض.
إلى حدود بدايات السبعينيات، كان لصفاقس وسط بلد جميل يليق بتاريخها وبموقعها الجغرافي وبمكانتها كثانية كبرى مدن تونس، بعد العاصمة. لكنّ الأشياء الجميلة لا تدوم.
... قررت الدولة التونسية أن تقتل وسط البلد تدريجاً عبر خنقه بمناطق صناعية مجاورة وعزله عن البحر. سعت إلى استغلال قرب الميناء البحري التجاري ومحطة القطار من دون الأخذ بالاعتبار الأبعاد الجمالية ولا الاجتماعية ولا البيئية، ولا حتى مراعاة علاقة الأهالي بالمعمار والطبيعة.
كثرٌ من بين «الصفاقسية» يعتبرون أنّ ما فعلته الدولة لم يكن هدفه الربح المادي فحسب، بل يعكس قراراً سياسياً «جهوياً»، يهدف إلى تحجيم المدينة وحصر دورها كقطب صناعي وتجاري دون أي طموحات «سياحية» يمكن أن تُنافس من خلالها مناطق مجاورة «مدللة» من طرف النظام السياسي الجديد.
أياً كان السبب، فإن ما فعلته الدولة بوسط صفاقس، بوسط البلد، جريمة لا تزال آثارها حاضرة في ثنايا ذاكرتنا... المطرّزة بأيديها.

زمن بن علي (1987؛2011): «الكيتش» يسود المكان
ليس بن علي إلا ابناً غليظاً من أبناء أجهزة دولة ما بعد الاستقلال. سيتزامن وصوله إلى الحكم عام 1987، مع بدايات مشروع ضخم لتغيير وسط المدينة. هو مشروع «صفاقس الجديدة» الذي صُدِّق عليه منذ بداية الثمانينيات: الهدف منه، أولاً توسيع نطاق وسط البلد وتخفيف الضغط المروري والبشري عن الأجزاء القديمة (المدينة العتيقة والمدينة الأوروبية)، وثانياً تسهيل عملية التدفق بين قلب المدينة وشرايينها. المخطط الرئيسي للمشروع سيتضمن تهيئة أراضٍ وبيعها للمستثمرين الخواص بغية بناء فضاءات تجارية وعمارات سكنية مع تخصيص مساحة محترمة للمناطق الخضراء وأماكن للترفيه وشوارع واسعة ومحوّلات وطرق مفتوحة أمام المترجلين فقط. مشروعٌ عملاق أُقيم أساساً على مقابر يعود بعضها للقرنين 12 و13 الميلاديين، وعلى أراضي خاصة انتُزعَت من أجل «المصلحة العامة»... بأثمان بخسة.
بما أنّ الدولة لم تكن تمتلك الاعتمادات الكافية لتنفيذ المشروع، لجأت إلى التمويل الأجنبي، الخليجي منه تحديداً. وهكذا أصبحت الدولة التونسية وبلدية صفاقس ومؤسسات سعودية وكويتية شركاء.
النيّات الحسنة بقيت حبراً على ورق، وسرعان ما أصبح الربح هو الهمّ الأول للمستثمرين، التونسيين والخليجيين.

(زاهر كمون)

أولى ثمرات هذا المشروع ستكون بناية «صفاقس 2000»: كيان بشع سُمّي مركزاً تجارياً، ولكنه في الحقيقة تجمّع لباعة الملابس المستعملة (الفريب كما يسميه التونسيون)، ساهم بشكل فعّال في زيادة أزمة المرور والقبح العمراني. تحوّل مشروع «صفاقس الجديدة» إلى عملية تجارية هدفها الأساسي بيع أكبر مساحة ممكنة بأغلى سعر ممكن لبناء عمارات وفضاءات تجارية.
المناطق الخضراء التي كان يُفترض أن تشمل ربع المساحة، تحوّلت إلى مجرد بقع ميكروسكوبية في غابة الإسمنت التي ما انفكت تتسع. أمّا الطرقات والشوارع، فقد قُضم جزء كبير من مساحتها الأصلية لمصلحة البنايات التجارية... الأسوأ من كلّ هذا أنّ نظام بن علي لم يكتفِ بتحويل وجهة «صفاقس الجديدة» من مخطط عمراني إلى عملية استثمارية فحسب، إذ أرادها أيضاً أن تكون حمّالة لرموز عهده الجديد.
أُطلِق اسم «7 نوفمبر» على الشارع الرئيسي في المنطقة، ثم نُقل مقرّ الولاية والبنك المركزي ولجنة تنسيق الحزب الحاكم إلى هناك. منطقة «صفاقس الجديدة» أصبحت بسرعة رهيبة معقلاً لتجار «الشنطة» والأطباء ومحلات بيع الأجهزة الكهربائية وأدوات المعلوماتية وفروع للبنوك التونسية (والخليجية) والمطاعم السريعة. كلّ هذه الأنشطة، تتجاور بشكل عجيب ومن دون أي منطق أو تناسق.
ما فعلته الدولة جريمة لا تزال آثارها حاضرة في ثنايا ذاكرتنا


بدل توسيع وسط البلد الأصلي وحلّ أزمة المرور والاكتظاظ، تحوّلت صفاقس الجديدة إلى وسط بلد جديد، لقيط وبشع، يحاصر القديم ويخنقه من دون أي رؤية وتصور للمجال والجمال والمصلحة العامة.
تضخُّم الجزء الجديد من وسط البلد، كان له تأثير سيئ جداً على بقية الأجزاء: تراجع الثقل التجاري للبْلاد العَرْبي، خصوصاً أنّ العديد من الحرف والمهن التقليدية بدأت تنقرض لانعدام الحاجة إليها، فيما أصبحت الصناعة المحليّة من نسيج وأحذية غير قادرة على منافسة أسعار المنتجات الصينية وجودة المنتجات التركية والأوروبية التي تعاظم وجودها مع تطوّر ظاهرة الاقتصاد الموازي والتهريب. بعض الأسواق المرتبطة بالمناسبات والعادات، بقيت نشيطة نسبياً، كسوق الذهب والقماش والتوابل والعطارين والملابس التقليدية الخاصة بالطهور والحج والعمرة.
أما المدينة الأوروبية/باب بحر، فقد خسرت في البداية جزءاً مهماً من نشاطها الاقتصادي، لكنها استطاعت التأقلم تدريجاً مع منافسة صفاقس الجديدة عبر ظهور فضاءات تجارية عصرية تشتغل أساساً في الملابس والأحذية والعطور الفخمة. نقص الثقل المالي لم يؤثر كثيراً في الثقل السياسي والثقافي، إذ بقيت المدينة الأوروبية مركز النقابات والأحزاب المعارضة والمثقفين والحانات والمقاهي التاريخية. كذلك إن وجود محطة القطار والميناء والمحاكم والعديد من الإدارات العمومية والفنادق الفخمة حفظ لباب بحر أهميته. ولكن هكذا صار في زمن بن علي: أصبح «الكيتش»، في استعارة من رواية ميلان كونديرا «كائن لا تُحتمل خفته»، حاكماً. و«الكيتش»، كما يشرح كونديرا نفسه «هو أمر آخر غير كونه عملاً بسيطاً ذا ميل سيئ. هناك الموقف الكيتش، تصرف الكيتش. حاجة الكيتش للإنسان الكيتش: إنها الحاجة لأن ينظر المرء إلى نفسه في مرآة الكذب التي تُجمِّل، ولكي يتعرف إلى نفسه برضا يثير العاطفة».

وسط البلد، إلى أين؟
لم يتغير كثيراً حال وسط البلد بعد الثورة. تغير اسم شارع «7 نوفمبر» في منطقة «صفاقس الجديدة»، فيما حافظ بورقيبة والباي على شارعيهما. يستمر التوسع السرطاني لمنطقة صفاقس الجديدة، فيما تحاول المدينتان، العتيقة والأوروبية، المقاومة استناداً إلى الشرعية التاريخية أو البرستيج. الانتقال الديمقراطي والحركية السياسية الثقافية التي رافقته خلقت ديناميكية جديدة، ولكنها محدودة، وما انفكت تنحسر بحكم حالة النفور الشعبي من العملية السياسية. اختيار صفاقس عاصمة للثقافة العربية عام 2016 كان من المفترض أن يمثل نقلة كبيرة في الحياة الثقافية في المدينة من حيث البنية التحتية والأنشطة، لكن الدولة التونسية «أضاعت» الفرصة مرة أخرى. الدولة المركزية والسلطات المحلية غير قادرة إلى اليوم على استغلال فرادة وسط البلد: مدينة عتيقة عمرها أكثر من ألف عام على بعد أمتار فقط من البحر المتوسط، وسط ولاية حية اقتصادياً وتعليمياً وثقافياً ورياضياً.

صفاقس وسط البلد (زاهر كمون)

ما تغير هو سقوط حاجز الخوف وظهور بوادر حركة مواطنية تتحرك بنحو أكثر فأكثر إصراراً من أجل التصدي للقبح والتلوث المناخي والبصري عبر إعادة الروح إلى وسط البلد، وإعادة المدينة إلى بحرها. تحاول الدولة الالتفاف على مطالب «الصفاقسية» بطريقة مضحكة، وأحيانا مخجلة، فقد قامت مثلاً بنصب عدة تماثيل في المفترقات الدائرية لوسط البلد في قلب الطرقات المزدحمة (الحبيب بورقيبة، فرحات حشاد، هادي شاكر، حمادي العقربي)، وهي لا تملّ من الوعد بقرب تنفيذ مشاريع «عملاقة» كشبكة المترو والمحولات التي ستحل أزمة الاختناق المروري، وبالطبع «مشروع تبرورة». هذا المشروع صُدِّق عليه عام 1983، وهو يهدف إلى «مصالحة سكان المدينة مع البحر» (رغم أن الطرفين لم يتخاصما، بل فرق بينهما العذول) ولم يكتمل إلى حدود اليوم.
لا تستطيع الدولة تجاهل صفاقس، فللمدينة ثقل كبير اقتصادياً وسياسياً، وأهلها عرف عنهم الإصرار والصبر، كذلك فإنها لا تنوي فعلاً إعادة الروح إلى المدينة، فهناك تقسيمات «جهوية» قديمة ومقدسة للأنشطة في تونس. المماطلة هي الحل. من لم يعجبه الأمر، فليشرب من البحر، وهذه ليست شتيمة، فالحكومة أعلنت منذ أشهر أنها ستشرع في تنفيذ مشروع عملاق آخر في صفاقس: محطة لتحلية مياه البحر...

جمعيات ومنظمات في خدمة المدينة
تنشط عدة جمعيات ومنظمات وشخصيات مستقلة من أجل التصدي لظاهرة التلوّث التي تخنق سكان المدينة وتجعلها في المراتب الأولى وطنياً على مستوى انتشار أمراض السرطان. ولعلّ حملة «سكّر السياب» (أغلق السيّاب، وهو مجمع كيميائي على بعد كيلومترات قليلة من وسط البلد)، مثّلت أبرز التحركات سواء على مستوى الشكل أو لناحية عدد المساهمين فيها والمتعاطفين معها.
نظّمت الحملة مظاهرات واعتصامات أمام مقرّ المحافظة، بالإضافة إلى صياغة عرائض وجمع توقيعات ونصب خيام إعلامية للتعريف بمخاطر المجمع على البيئة والصحة. كما نظّمت عدة جمعيات مسنودة من أهالي المدينة، حملات تنظيف وتهيئة وتنشيط لشاطئ «الكازينو»، وهو أقرب الشواطئ إلى وسط البلد، وقد حُرِمت منه المدينة عقوداً بسبب التلوث وزحف المنطقة الصناعية.
وتضغط عدة مكوّنات من المجتمع المدني، مدعومة ببعض نواب الجهة، على السلطات المحلية والمركزية من أجل الإسراع باستحداث شبكة مترو ومحوّلات لتخفيف الاختناق المروري وتنفيذ «مشروع تبرورة».
على المستوى الثقافي، فلقد كانت هناك ضغوط من بعض مثقفي الجهة على وزارة الثقافة بغية تحضير ملف لإدراج المدينة العتيقة على قائمة «اليونيسكو» للتراث الإنساني (وهي الآن مدرجة على القائمة التمهيدية)، بالإضافة إلى محاولة تنشيط المدينة العتيقة عبر إنشاء فضاءات ومقاهي ثقافية خاصة، أو تكثيف الأنشطة الثقافية في الفضاءات العمومية، مثل «فندق الحدادين»