بعد نحو شهر ونصف شهر من ضبط شحنة أسلحة قادمة من تركيا في ميناء الخمس، احتُجزَت، أول من أمس، تسع سيارات ومدرعات هجومية في المنفذ البحري نفسه، آتية من الوجهة ذاتها. في المرة الماضية، تذرّع بعض الفاعلين في ليبيا بأن الأسلحة صوتية شبيهة بتلك المستعملة في الأفلام، وهو ما تثبته الصور التي نشرتها الجمارك، على رغم أن هذا النوع نفسه من الأسلحة يُمكن استخدامه قتالياً بعد إدخال تعديلات عليه. يبدو الأمر هذه المرة أوضح، حيث صُنعت المدرّعات في تركيا، وخرجت من أحد موانئها، وهي أكبر من أن لا تُلاحَظ أو تُخفى.الجمارك الليبية قالت إن العملية جاءت نتيجة استقصاء، وجرت بالتنسيق مع النيابة العامة، خصوصاً أن الحاويات الأربع، التي تشمل العربات، تفتقر إلى مستندات تثبت محتواها أو جهة تسليم واضحة. وبعد يوم من الحادثة، وانتشار أخبار في الصحافة الليبية عن ارتباط الشحنة بصفقة سابقة أبرمتها وزارة الداخلية، خرج وزير الداخلية التابع لحكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس، فتحي باشاغا، ليعلن أن العربات تتبع وزارته، واصفاً إياها بأنها «مساعدة» من الحكومة التركية. لكن الواقعة تثير تساؤلات عدة من قبيل: لماذا لا تحمل الشحنة مستندات رسمية إن كان مصدرها الحكومة التركية؟ ولماذا تأخّر وزير الداخلية في تبنيها؟ قد يكمن أحد الأجوبة في القرار الأممي المفروض منذ سقوط نظام معمر القذافي، بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا. ويُمكن ربط الأمر أيضاً بالحرب الدائرة في جنوب البلاد، التي يسعى من خلالها قائد جيش حكومة شرق البلاد، المشير خليفة حفتر، إلى السيطرة على المنطقة.
عدم حمل الشحنة مستندات رسمية أثار الشكوك حول مصدرها


أمس، أصدر رئيس حكومة «الوفاق»، فائز السراج، قراراً بتعيين الفريق ركن علي سليمان محمد كنه، آمراً لمنطقة سبها العسكرية. يُعَدّ هذا التطور محورياً؛ فالأخير (كنه) أحد أعمدة نظام القذافي، حيث كان من بين الضباط الأحرار الذين ألغوا الملكية عام 1969، وخدم في مراكز عسكرية مهمة، خاصة في جنوب البلاد، وهو ينحدر من الطوارق القاطنين في المنطقة، وكان من بين القوات التي قاتلت حتى النهاية مع القذافي. تعيين كنه، الذي يحظى بشعبية بارزة بين قبائل الجنوب الغربي والعسكريين المحليين، يُراد من خلاله الحفاظ على وجود حكومة «الوفاق الوطني» في الجنوب، وعدم التسليم لقوات حفتر. وعليه من المحتمل أن تكون شحنة الأسلحة، القادمة من تركيا، حليف حكام المنطقة الغربية، مساهمة في تعزيز قدرات العسكريين في الجنوب، خاصة مع شكواهم الدائمة من غياب دعم طرابلس، وهي على الأغلب ليست الشحنة الوحيدة ولن تكون الأخيرة.
في السياق نفسه، أعلنت قوات حفتر، مساء أمس، سيطرتها على مدينة أوباري في أقصى الجنوب الغربي، التي تضمّ حقل «الشرارة» النفطي الأكبر في البلاد (ينتج نحو 350 ألف برميل يومياً)، والمتوقف منذ أشهر عن العمل، مدعومة بمحتجين من «حراك غضب (إقليم) فزان». وأفاد ناطق باسم «حراك فزان»، من جهته، بأن قوة عسكرية تتبع حكومة «الوفاق الوطني»، قادمة من الشمال، بصدد الاقتراب من الحقل، ودعاها إلى ضبط النفس والتراجع، لأن القوة المسيطرة على الحقل تتبع أصلاً حكومة غرب البلاد. وتتسابق قوات حكومتَي البلاد على السيطرة على حقول النفط، وإن كانت هذه الأخيرة تخضع بقرار أممي للاستغلال الحصري من قِبَل «المؤسسة الوطنية للنفط» التابعة لحكومة طرابلس. لكن مع ذلك، يرى مراقبون أن حفتر يريد وضع كامل مخزون البلاد النفطي تحت سيطرته، ليحوّله لاحقاً إلى أداة ضغط سياسي تسمح له بتحسين موقعه التفاوضي، خاصة مع اقتراب موعد عقد «الملتقى الوطني» برعاية بعثة الأمم المتحدة.