بعد أيام على تنظيم زيارات وندوات استعراضية في مدينة سبها، عاصمة الجنوب الغربي، أطلقت القوات الموالية للمشير خليفة حفتر، مساء أول من أمس، هجوماً على مدينة مرزق. وعلى عكس ما جرى في المدن الجنوبية الأخرى، لم يستطع حفتر التمهيد لدخوله بعقد تفاهمات مع أطراف محليين تسهل مهمة قواته، بل اصطدم بمقاومة شرسة كلفته فقدان عدد من الآليات ونحو عشرين قتيلاً، فيما فقد الطرف المقابل تسعة مقاتلين، وفق تقديرات أولية.في واقع الأمر، كان يجري الإعداد داخل المدينة لهذه المعركة منذ مدة. فبداية هذا الشهر، تشكّل جسم عسكري جديد تحت مسمى «قوة حماية الجنوب»، يقوده حسن موسى، ويضم أبناء قبيلة التبو، وأصدر بيانه الأول الذي تضمن عدداً من النقاط المهمة، على رأسها إعلان عدائه لقوات حفتر وولائه لحكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس، وتوجيهه دعوة إلى الأخيرة لتوضيح موقفها مما يحصل في الجنوب «لمنع تغول ميليشيات حفتر في المنطقة».
بعد ذلك مباشرة، خاضت هذه القوة اشتباكات مع جيش حفتر في عدد من مدن الجنوب وبلداته، انهزمت في أغلبها واضطرت إلى الانسحاب. نتيجة لذلك، أصدرت النائبة في برلمان شرق البلاد، رحمة أبو بكر آدم، بياناً أدانت فيه «ما يتعرض له التبو في جنوب ليبيا من قصف بالطيران وحملات عسكرية على مناطقهم، وحصارهم من ميليشيات قبلية متحالفة مع جيش تحرير السودان». لم تقف آدم عند هذا الحد، بل أعلنت تعليق عضويتها في المجلس النيابي إلى حين «توقف جميع العمليات العدائية»، وطالبت المجتمع الدولي بضرورة حماية المدنيين، كما دعت البعثة الأممية إلى تحديد موقفها من «التطهير العرقي الذي يحصل على مكوّن التبو، والذي يهدد وحدة التراب الليبي».
من المرجّح تصاعد الاشتباكات بين «قوة» موسى وقوات حفتر في الأيام المقبلة


ضمن هذا التصعيد، أصدر القيادي موسى شريطاً توعّد فيه قوات حفتر بالانتقام، وتعهّد بالدفاع عن مدن حوض مرزق، مدّعياً امتلاكه عتاداً ومالاً يكفيانه للصمود طويلاً. وفي إطار إثبات ولائها لحكومة «الوفاق»، أصدرت «قوة حماية الجنوب» بياناً رحبت فيه بتعيين علي كنه آمراً لمنطقة سبها العسكرية، رغم ماضيه في العمل مع النظام السابق في المنطقة، وانتمائه إلى الطوارق (ربما يتماهى التبو والطوارق في الإحساس بالمظلومية والتهديد لأنهما أقليتان سبق أن دخلتا في اشتباكات مع قبائل عربية في الجنوب خلال الأعوام الماضية).
إذن، سمح الاستعداد المبكر نسبياً في تجهيز مرزق وضواحيها لمقاومة الهجوم المتوقع من قوات حفتر، لكن توجد مفارقة في كل هذا المسار هي موقف «الوفاق». فرغم تعيين كنه، الذي جاء كمحاولة لتحجيم تمدد حفتر جنوباً، لم تصدر أي وثيقة أو تصريح من الحكومة يدعم «قوة حماية الجنوب» أو يؤكد تبعيتها لها. قد يبدو الأمر غامضاً للوهلة الأولى، لكن يمكن ربما تبريره بماضي قائد هذه القوة وطبيعة تحالفاته، إذ لا يظهر حسن موسى كثيراً في الإعلام، وهو يحيط تحركاته بسرية عالية. فباستثناء ورود اسمه أثناء الثورة على نظام القذافي كأحد قادة العمليات العسكرية ضد العقيد، لم يُذكر مرة أخرى إلا في سياق مشاركته المفترضة في الهجوم على موانئ الهلال النفطي العام الماضي، برفقة قوات إبراهيم الجضران و«سرايا الدفاع عن بنغازي» التي تحاول العودة إلى شرق البلاد بعد طردها منه قبل أعوام.
وواقعاً، امتدت الهجومات الإعلامية من معسكر حفتر إلى حدّ الادعاء أن موسى مرتزق تشادي، وبصفة عامة كثيراً ما يُشكك في ولاء التبو الوطني، ويقع اتهامهم بأنهم نازحون من التشاد، ما يغذي خوفهم أكثر. كل هذا يجعل «الوفاق» مترددة في دعم «قوة حماية الجنوب»، إلى درجة إصدار وزارة داخليتها أمس بيان تنديد بقتل مدير أمن مرزق خلال الهجوم، وجهت فيه الاتهام إلى «مجموعة مسلحة خارجة عن القانون في المدينة»، في إشارة غير مباشرة إلى «قوة» موسى التي اتهمت بدورها قوات حفتر بارتكاب العملية.
وسط هذه الأجواء التي يبرر فيها حفتر عمليته بضرورة «تحرير الجنوب من الإرهاب والمرتزقة التشاديين»، وتبرر فيها «قوة حماية الجنوب» قتالها بالدفاع عن التبو من الإبادة على أيدي «ميليشيات قبلية مدعومة بمرتزقة من جيش تحرير السودان» (أعلن السودان في الأيام الماضية إحباط صفقة لتجنيد ألف مقاتل من دارفور في صفوف قوات حفتر)، من المنتظر أن تتصاعد الاشتباكات أكثر، ما قد يسبب آثاراً مدمرة، خاصة على مستوى تماسك النسيج الاجتماعي القبلي في الجنوب الليبي الهش بطبعه.