عشية يوم جمعة رابع من جمع الحراك الشعبي في الجزائر، تكثّفت دعوات المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر، وذلك تحت وسم (هاشتاغ) «حركة 15 مارس»، فيما يحتدم الجدل حول الفترة الانتقالية التي طرحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فور عودته من العلاج في جنيف، بين «وجوه قديمة» تتولى المرحلة الجديدة من جهة، وقوى مُعارِضة ونشطاء ومحتجين من جهة أخرى. لكن النقاش لا ينحصر فقط في شأن «خريطة الطريق»، التي دشنها بوتفليقة بالاستجابة للمطلب الرئيسي للاحتجاجات بسحب ترشحه لولاية خامسة، بل إن بعض أطراف المعارضة لا تزال متمسكة بمطلب تغيير النظام ككل، والمستمر منذ حرب التحرير (1954-1962).وينخرط قطاع عريض من المعارضة والمحتجين في حوار غير مباشر مع الحكومة، لا يزال منحصراً في حدود وسائل التواصل الاجتماعي. وهو حوار يتناول ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، التعيينات الحكومية التي تمت بعد إقالة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى. وثانياً، قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية الذي أثار جدلاً سياسياً وقانونياً، واعتبرته المعارضة مخالفة للدستور وتمديداً للعهدة الرابعة. وثالثاً، عدم وضوح «جدول الأعمال» للوصول إلى «ندوة وطنية جامعة» مستقلة قبل نهاية 2019، قال بوتفليقة في رسالته إنها ستكون بمنزلة هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس كل أنواع الإصلاحات.
إزاء ذلك، سعى رئيس الوزراء الجديد، نور الدين بدوي، أمس، إلى تبديد مخاوف المعارضة والمحتجين في شأن تشكيلة الحكومة، وعرض خططه مع نائبه رمطان لعمامرة، في مؤتمر صحافي في العاصمة، معلناً أنه سيشكل «حكومة مؤقتة» في أوائل الأسبوع المقبل، على أن «تكون سنداً للندوة الوطنية». وأكد أنها ستضم خبراء وغيرهم للعمل على تحقيق التغيير السياسي، استجابة لمطالب المحتجين، مضيفاً إنها «سوف تمثل كل الطاقات وخاصة الشبابية من بنات وأبناء وطننا»، كما حث المعارضة على الانضمام إلى الحوار.
تسعى السلطات إلى إقناع المحتجّين بجدوى تمديد ولاية بوتفليقة


وفي ما يتصل بتأجيل الانتخابات، الذي اعتبره كثيرون غير قانوني لا بل غير دستوري، تسعى السلطات إلى إقناع المحتجين بجدوى تمديد ولاية بوتفليقة، بالمحاججة بأنه لا بد من تفادي حالة الشغور، التي قد تسمح لدول أجنبية بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية. وفي هذا السياق، أكد لعمامرة، في مقابلة طويلة مع الإذاعة الجزائرية، أن «الأمر لا يتعلق بالبقاء في الحكم لبضعة أسابيع أو بضعة أشهر إضافية» للرئيس الذي يحكم منذ عشرين عاماً، بل «بضمان استقرار المؤسسات وسيرها العادي أثناء ورشة تغيير المجتمع، وإعداد دستور جديد وولادة هذا النظام الجديد». وأشار نائب رئيس الوزراء إلى أن بوتفليقة «كان يفضل تنظيم الانتخابات الرئاسية» في موعدها الذي كان مقرراً في 18 نيسان/ أبريل المقبل، لكن «الطلب الملحّ من قسم مهم من الرأي العام، دفعه إلى اعتبار أن هذه الانتخابات لا يجب أن تتم إذا كانت ستكون سبباً في الانقسام والتمزق»، من دون أن يقترح موعداً لرحيل بوتفليقة عن السلطة، فيما كان وزير الخارجية الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، المبعوث السابق إلى الأمم المتحدة والجامعة العربية، قد أشار قبل يوم إلى أن «رحيل النظام لن يتم بين عشية وضحاها، وإنما يتطلب وقتاً»، داعياً إلى «التريث» لأن استعجال العملية الانتخابية يجعلها «مفرِّقة ومخرِّبة».
وحول آلية الوصول إلى «ندوة وطنية» مكلفة بإجراء إصلاحات في البلاد، وصياغة دستور جديد، ثم تنظيم انتخابات رئاسية تشرف عليها لجنة انتخابية مستقلة، قال رئيس الوزراء المكلف إن «ندوة الحوار الوطني» سيُشرع في التحضير لها مباشرة بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وفي حين لم تنطوِ رسالة بوتفليقة على أي إيضاحات حول معايير اختيار رئيسها والأعضاء المفترض مشاركتهم فيها، عبّر نائبه لعمامرة، عن أمله في أن تبدأ الندوة أعمالها «بأسرع ما يمكن»، وأن تنهي أعمالها «في أفضل الآجال»، من دون أن يحدد تاريخاً لانعقادها أيضاً.
ووسط هذا الجدل، اعتبر مراقبون أن مؤتمر أمس لم يفلح في تبديد مخاوف المعارضة، في حين جانبت أجوبة رئيس الوزراء ونائبه كل الأسئلة الملحة تقريباً، فهو لم يردّ على الصيغة الدستورية التي سيبقى بموجبها بوتفليقة رئيساً بعد 28 نيسان/ أبريل المقبل، موعد نهاية ولايته، كما لم يحدد تاريخاً لخروج الرئيس من السلطة، ولا تاريخاً لانعقاد «الندوة الوطنية». أما بقية ما تضمنه الخطاب، فلم يخرج عن إطار التهدئة، في سبيل عدم تأجيج غضب الشارع، عشية جمعة جديدة من المسيرات اليوم، إذ لم يخرج من المؤتمر سوى بمعلومة وحيدة أكد فيها أن تشكيلة الحكومة سيعلن عنها نهاية الأسبوع المقبل كأقصى تقدير.