نهاية الشهر الماضي، وُقّعت مذكّرتا تفاهم بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» الليبية فائز السراج. سريعاً، دانت مصر واليونان وقبرص المذكّرة الخاصة بتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، معتبرة إياها غير قانونية؛ لأنها تجاهلت حدود قبرص وبعض الجزر اليونانية مثل كريت، ولأن الطرف الليبي الموقّع عليها لا يُسمح له باتخاذ قرار في مثل هذه الحالات، وذلك بناءً على تأويل للاتفاق السياسي الليبي الموقَّع عام 2015. لاحقاً، صعّدت اليونان موقفها، حيث طلبت توضيحات حول المذكّرة من السفير الليبي لديها، ثمّ قامت بطرده. وتلا هذا توجيهُها، مع قبرص، طلباً للاتحاد الأوروبي من أجل اتخاذ موقف واضح. طلبٌ أعقبه اجتماع قادة الاتحاد في بروكسل أول من أمس، حيث تسرّبت عنهم مسودة بيان اعتبروا فيها أن «مذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط تنتهك الحقوق السيادية لدول أخرى ولا تمتثل لقانون البحار». وعبّر المجلس الأوروبي، بناءً على ما تقدّم، عن «تضامنه مع اليونان وقبرص في ما يتعلق بالإجراءات من جانب تركيا».
أرسلت أنقرة، أمس، مذكّرة التفاهم البحرية إلى الأمم المتحدة لتسجيلها

وبموازاة الاجتماع في بروكسل، حطّ رئيس البرلمان الليبي المنعقد في شرق البلاد، عقيلة صالح، في أثينا، بدعوة من نظيره اليوناني، قسطنطين طاسولوس، وذلك على الرغم من أن صالح مسجّل في قائمة العقوبات الأوروبية منذ أعوام، نظراً إلى دوره في عرقلة مسار الحلّ السياسي. وفي حديث إعلامي، قال المستشار الإعلامي لصالح إن الجانب اليوناني «تفهّم الأوضاع في ليبيا»، واعتبر أن «مجلس النواب الليبي هو الجسم الشرعي الوحيد الممثل للشعب». كما عبّر طاسولوس عن دعمه لما جاء في مراسلة بعثها صالح إلى الأمم المتحدة وطالب فيها بسحب الاعتراف الدولي بحكومة «الوفاق». في المقابل، أرسلت أنقرة، أمس، مذكّرة التفاهم البحرية إلى الأمم المتحدة لتسجيلها، بعد أن وافق عليها البرلمان التركي والمجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق». ويُنظر إلى توقيع المذكّرة كمحاولة من قِبَل تركيا لتعزيز تأويلها لقانون البحار والحدود البحرية للاستفادة من حقوق تنقيب في شرق المتوسط، خاصة مع إنشاء «منتدى غاز البحر المتوسط» الذي يشمل مصر واليونان وقبرص وإسرائيل والأردن وإيطاليا، ويُطمح إلى تحويله إلى منظمة.

احتمال التدخّل التركي
استولت مذكّرة التفاهم البحرية على الاهتمام الأكبر، لكن المذكّرة المتصلة بالشؤون العسكرية والأمنية أثارت في الأيام الأخيرة جدلاً واسعاً. ففي حوار مع القناة التركية الرسمية يوم الإثنين، قال الرئيس التركي إن إرسال بلاده جنوداً إلى ليبيا لدعم حكومة «الوفاق» مشروط بتقديم الأخيرة طلباً بذلك، مضيفاً أن تحركاً مماثلاً لا يُعتبر خرقاً لحظر التسليح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. ويوم الثلاثاء، أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية، تعقيباً على هذا التصريح، أنه «لم يردنا أيّ طلب مماثل من الجانب الليبي، ونأمل ألاّ يضطروا لذلك». لكن وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، أوضح، في مؤتمر صحافي أول من أمس، أن المذكّرة تشمل «التعليم والتدريب وتبادل المعارف الفنية والتقنية، ولا تشمل أيّ شيء آخر غير ذلك»، مستدركاً بأنه أعلم إردوغان بإمكان «تقييم الأمر إذا ما جاءنا طلب من الجانب الليبي»، مُذكّراً بأن «إرسال قوة إلى خارج البلاد يستوجب موافقة البرلمان».
لم تردّ مصر على هذه التصريحات بشكل مباشر، لكنها تفاعلت معها عبر تنظيم تدريبات عسكرية. وأعلنت القوات المسلحة المصرية، في بيان أول من أمس، أن «القوات البحرية نفذت عدداً من الأنشطة القتالية ذات النوعية الاحترافية»، لافتة إلى أن تلك الأنشطة «تهدف إلى فرض السيطرة البحرية على المناطق الاقتصادية في البحر، وتأمين الأهداف الحيوية في المياه العميقة». في مقابل ذلك، نشرت وكالة «الأناضول» شريط فيديو لتدريبات لقوات مشاة البحرية البرمائية التركية. أما ردّة الفعل الأشدّ على تصريحات المسؤولين الأتراك فقد جاءت من البرلمان الليبي المجتمع في شرق البلاد، إذ أصدر البرلمان ثلاثة بيانات منفصلة، حمل اثنان منها توقيع لجنة الشؤون الخارجية ولجنة شؤون الدفاع. وورد في أحدها أن توقيع «مذكّرة التفاهم الأمنية... مقدمة لغزو الأراضي الليبية، بغرض الاستحواذ على ثرواتها والحصول على موطئ قدم في جنوب المتوسط»، فيما طالب بيان آخر بـ«تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك»، مناشداً قوات المشير خليفة حفتر «استهداف أيّ تحرك للقوات التركية داخل المياه الإقليمية أو الأجواء والأراضي الليبية».