القاهرة | مجدداً يدخل الروس على خط التهدئة في الحرب الليبية، بعد وساطات سابقة في بداية اشتعال الأزمة، في وقت عدّلت فيه مصادر عسكرية مصرية تقديرها للمواجهة المحتملة مع القوات التركية، خاصة التي تصل إلى العاصمة طرابلس ضمن الاستعدادات لمحاولة السيطرة على محور سرت ــ الجفرة، وهو الخط الأحمر الذي حدّدته مصر لتنفذ تدخلاً عسكرياً مباشراً، فيما تواصل الأخيرة تعزيز قوات حليفها المشير خليفة حفتر، في مواجهة حكومة «الوفاق الوطني» المدعومة حصراً من تركيا الآن. وتكشف مصادر مواكبة عن «تشاور مكثف» بين موسكو وأنقرة، وسط حديث عن ترتيبات لعقد لقاءات معلنة بين الأتراك والروس بشأن الوضع في ليبيا، بالتوازي مع زيارةٍ لرئيس «الوفاق»، فائز السراج، إلى أنقرة مجدداً، من أجل مناقشة ما يمكن تحقيقه على الأرض حالياً.وفق الاتصالات المصرية ــ الروسية غير المعلنة، هناك «ضغوط قوية من موسكو على أنقرة لوقف القتال وتجنّب المواجهة، على الأقل خلال الأيام القليلة المقبلة، للبحث عن حلول ترضي الجميع»، وفي مقدمتها السيطرة الأممية على منطقة الهلال النفطي، الأمر الذي توافق عليه مصر، شريطة ألا تشاركها قوات تركية فيه، والأمر نفسه بالنسبة إلى تركيا التي ترفض أي وجود عسكري مصري على الأرض، بما فيه تدريب أبناء القبائل، الخطوة التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل مدة. ويحذر الروس من أن أي مواجهة عسكرية «ستكون عواقبها وخيمة» على الطرفين، وهم يبدون تفهّماً للمخاوف التركية وحكومة السراج التي يسعون إلى طمأنتها بشأن مصيرها، لكن ضمن صيغة توافقية تسمح بحوار سياسي يمكن البدء به.
تحذّر موسكو من أن أيّ مواجهة عسكرية «ستكون عواقبها وخيمة»


بالتوازي، لا تزال مصر تمارس ضغوطاً دبلوماسية على الدول الأوروبية المعنية على أكثر من مسار، وآخرها طلبها من عواصم الاتحاد التنسيق مع «الجيش الوطني» الذي أعلن بدوره فرار نحو ألف مرتزق سوري إلى أوروبا، وهو رقم أعلى بكثير من التقديرات الأولية، ويبدو أنه يهدف إلى إثارة الذعر الأوروبي، خاصة مع تزايد الخلافات بين دول الاتحاد بشأن الأزمة الليبية. التركيز في هذا الإطار هو على ألمانيا، على أمل أن تغيّر نهجها، فيما ترحّب فرنسا بحسم عسكري مؤقت على الأرض بمساعدة مصرية وسعودية لحفتر، قبل البدء بأي تفاوض، خاصة أن النتائج التي حققتها تركيا على الأرض أعادت الفرص المتساوية بين طرفي الصراع، في وقت لم تحسم فيه الخيارات الإيطالية.
أما لجهة الولايات المتحدة، فتقول المصادر، إنه رغم وجود اتصالات على مستوى استخباري واسع خلال الأيام الماضية، لم تتضمن الاتصالات أي عروض جدية لمنع الاشتباك، بل «اكتفت بتأكيد ألا ينفذ أيّ من الطرفين، القاهرة وأنقرة، تحركات عسكرية على الأرض من دون إبلاغ واشنطن قبلها بوقت كافٍ»، وسط مطالبات مصرية بتبنٍّ أميركي لنشر قوات دولية في منطقة الهلال النفطي. وتقدّر القاهرة أن واشنطن تريد تجنّب الدخول في الأزمة الليبية مباشرة، تاركة الدور الأكبر للدول الأوروبية، بشرط ألا تتفرد روسيا بالقرار، مع حرصها أيضاً على ألا يحسم الموقف في المنطقة لمصلحة مصر أو تركيا كلياً. بل ثمة تقدير أن النظرة الأميركية هي ثبات الوضع على ما هو عليه حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما يرفضه الفرنسيون والألمان، وفق المصادر نفسها.
ميدانياً، يساعد الجيش المصري، ودول أخرى، قوات حفتر بدعم كبير، خوّل الأخيرة إعلان تحصين دفاعاتها في سرت براً وبحراً وجواً، إلى حدّ قولها إنها نشرت منظومة صواريخ S300 في سرت والجفرة، مع استعدادها للتعامل مع السفن التي تقترب من الساحل بحدود 100 كلم في المناطق التي تسيطر عليها، في مسار يعكس كثافة التعزيزات التي وصلت من مصر خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة أن الجيش المصري يواصل المتابعة الكثيفة لكميات السلاح التي تصل إلى طرابلس.