على رغم المخاوف من الإخفاق مجدّداً في توافق الفرقاء الليبيين خلال اللحظات الأخيرة للمفاوضات، تَحوّل الرهان إلى مكان آخر هو الانتخابات الأميركية القريبة، ما يصنع مفترق طرق أمام المباحثات التي تستضيفها تونس مطلع الشهر المقبل. وإلى جانب المفاوضات المستمرّة على المسارات المختلفة، يتكثّف الدور الأممي مع الجولات المكوكية لرئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، وآخرها زياراتها لروسيا حيث التقت وزير الخارجية، سيرغي لافروف. مع ذلك، تبدو كثير من الآمال مُعلّقة على الحوار السياسي كأساس لتشكيل الحكومة الجديدة وبدء مرحلة انتقالية واضحة المعالم. والرهان الجديد لدى «ملتقى الحوار السياسي الليبي» الذي تستضيفه تونس، هو نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لضمان بقاء موازين القوى كما هي من دون تغيير، إذ إنه في حال فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، ربما تُقلب الطاولة وتتَّجه الأمور إلى مسار آخر قد يطيل الخلاف بين القادة الليبيين الذين يبحث عدد منهم عن مناصب وزارية في التشكيلة الجديدة. أمّا الإجماع المستجد بينهم على ترقب نتائج الانتخابات الأميركية، فيعود إلى التفاهمات المؤقتة التي تُزكّيها القوى الداعمة لكلّ طرف، في انتظار قاطن البيت الأبيض الجديد، وذلك حتى في حال التوصّل إلى اتفاق مبدئي برعاية أممية قبل إعلان نتيجة الانتخابات، وهو أمر شبه مستحيل كما تقول مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار» عن كواليس المفاوضات، طبقاً لما وصلها من «الأطراف المقرّبة».
تستبعد القاهرة إنجاز الأمم المتحدة اتفاقاً قبل نتيجة الانتخابات

رغم هذا، تتواصل الجهود الأممية بقوة ضاغطة على الجميع بلا استثناء، خاصة مع قبول الداعمين الإقليميين والدوليين التوافق على إنهاء التحرك العسكري، لكن تبقى بعض التفاصيل التي لم تُحسَم، طوال الاجتماعات التي عُقدت ما بين مصر والمغرب بشكل مكثّف وغير مسبوق ربّما منذ سنوات، في ظلّ تمسّك كلّ طرف بعناصر القوة التي يمتلكها. ومع أن غالبية المفاوضات جرت بعيداً من تركيا، فإن دور الأخيرة لا يزال مؤثراً باعتراف الإمارات ومصر، التي تتابع بدقة الزيارات والاتصالات بين مسؤولي حكومة «الوفاق الوطني» و«المجلس الأعلى للدولة» في طرابلس، وبين مسؤولين أتراك في قطاعات مختلفة، خاصة أن الأهداف الاقتصادية من الوجود التركي في ليبيا لا تزال قائمة. أما في القاهرة، فتَعثّرت مفاوضات وفدَي «المجلس الأعلى» وبرلمان طبرق بعد أربعة أيام من «الجلسات الشاقة» التي افتتحها مدير «المخابرات العامة»، اللواء عباس كامل، وتمديدها يومين إضافيين، فيما ستُجرى جولة جديدة قبل نهاية الشهر الجاري لحلّ النقاط العالقة في ما يتعلّق بالمناصب والمحاصصة.
حالياً، يخشى جيران ليبيا، مصر وتونس والجزائر والمغرب، من المأساة التي يمكن أن تولد في حال فشل المفاوضات والعودة إلى السلاح، خاصة أن الأولى (مصر) تقول إن العواقب ستكون كارثية، وإن تدخلها العسكري سيكون حتمياً في هذه الحالة للدفاع عن الخطوط الحمر في محور سرت - الجفرة لضمان أمنها القومي. وما يزيد تعقيد المشهد أن معادلة القوة العسكرية متقاربة بين مختلف الأطراف تقريباً، والتحالفات أيضاً متداخلة، والجميع يدركون أن الحرب ستكون نتيجتها سيّئة على الكلّ، خاصة مع الغضب الشعبي الذي يضغط على المتصارعين كافة. مع هذا، تبدو الأزمات التي تواجه الأطراف الليبية اليوم أقلّ بكثير من سابقتها، لكن الأكثر إقلاقاً لها هو التخوّف الحقيقي من المحاسبة المحتملة على ما حدث في الماضي، وهو ما تسعى خلال التفاوض إلى وضع تفاهمات للتغاضي عنه، والبدء في مسار ديمقراطي ستتنافس فيه الوجوه الموجودة نفسها على الساحة عسكرياً وسياسياً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا