لم تعد الأمم المتحدة منشغلة بالمسار السياسي لإنهاء الأزمة الليبية، بقدر انشغالها بتأمين صادرات النفط الليبية، والتي زادت على نحو مطّرد منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار بين أطراف الصراع الشهر الماضي، وهو ما دفع المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، أمس، إلى حضور الاجتماعات في البريقة (شمال)، والمخصّصة للاتفاق على تشكيل جهاز موحّد لحماية المنشآت النفطية، في خطوة من شأنها ضمان استمرار الإمدادات النفطية من دون انقطاع، حتى مع استمرار التعثّر السياسي.ومنذ وقف إطلاق النار، وبدء التعاون بين حكومة «الوفاق الوطني» وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والبرلمان الموالي له، زادت صادرات ليبيا من النفط إلى مليون ومئتي ألف برميل يومياً، وسط توقعات بزيادة مئتي ألف أخرى على الإنتاج اليومي قبل نهاية الشهر الجاري، ما يعني عودة الانتظام إلى التدفقات البترولية بعد اضطراب دام أعواماً، وخاصة أن معدّلات الإنتاج أكبر من التوقعات السابقة.
ويُعدّ الاتفاق على توحيد حرس المنشآت النفطية من أهمّ البنود التي تمّ التفاهم عليها في اجتماعات «اللجنة العسكرية» (5+5) الأسبوع الماضي، فيما لا يزال النقاش جارياً حول الجهاز الذي سيُقسّم إلى ثلاث فرق، تكون لكلّ منها مهمّة محددة ونطاق اختصاص. أمّا توزيع الأعداد، فمن المفترض أن يأخذ في الحسبان توفير الأمن الكامل للمنشآت، على أن يكون بين أفراد الجهاز مدنيون. وعلى رغم أنه لا اتفاق نهائياً على اختصاص كلّ قوة، يجري الحديث عن إحاطة المنشآت النفطية بثلاث دوائر كبرى، تتولّى كل واحدة التأمين كما يأتي: الأسلحة الثقيلة للدائرة الكبرى، والوسطى بأسلحة خفيفة، والصغرى همّ الأمن الصناعي.
تنوي القاهرة استضافة اجتماع للأطراف كافة الشهر المقبل


تقول مصادر إن حضور ويليامز للاجتماعات ليس لتسهيل الاتفاق بين الفرقاء الذين لا يزالون متمسّكين بالحصول على أكبر المكاسب، بل لأنها تعدّ لإيجاز من أجل تقديمه إلى مجلس الأمن في غضون أيام من أجل دعم المسار الحالي للتفاوض، وتأكيدها انتظام إمدادات النفط. وعلى رغم إعلان الأمم المتحدة تواصل الاجتماعات التنسيقية بعد رفض مبعوثتها تمديد اجتماعات تونس لمزيد من التشاور، لا يزال المسار السياسي يواجه أزمات عدّة؛ أكبرها غياب التوافق بين المشاركين على رغم إعلان إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021.
وتعترض الاجتماعات التي استمرّت نحو أسبوع إشكالات متعدّدة، بداية من رفض المجتمعين تقديم تنازلات حقيقية تؤدي إلى اتفاق شامل، مروراً بمحاولات بعض الأطراف عرض إغراءات مالية على شخصيات مشاركة من أجل تعديل آرائهم، وصولاً إلى دعم الأمم المتحدة أصوات المشاركات في الملتقى اللواتي يطالبن بحصول السيدات على 30% من المناصب في المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء، وهي نسبة كبيرة للغاية في نظر غالبية الأطراف. لهذا، أخفق الملتقى، الذي رفع شعار «ليبيا أولاً»، في الاتفاق على آلية لاختيار السلطة التنفيذية التي ستتولّى الحكم حتى إجراء الانتخابات، بعدما وقع سجال حول أحقية مَن تولّوا مناصب سياسية منذ عام 2014 حتى الآن في الترشّح للمناصب الانتقالية. كما لا يُتوقّع أن تسفر المفاوضات الافتراضية (عبر الإنترنت) عن نتائج جوهرية، وخاصة بعد طرح أسماء أثارت جدلاً كبيراً، فضلاً عن احتدام التنافس على منصب رئيس الحكومة.
مع ما سبق، ترى المبعوثة الأممية أنها حققت تقدماً ملحوظاً جرّاء الوصول إلى نقاط اتفاق عدّة، فضلاً عن قائمة أسماء ومقترحات يجري العمل على تحقيق التوافق بينها من أجل إنجاح الجولة التالية من المفاوضات. وفي المقابل، لا تزال بعض الأطراف تعترض على هوية المشاركين في الاجتماعات الأممية، والذين يفترض أن يمثلوا الأقاليم الليبية الثلاثة.
وبالتوازي، تُرتّب القاهرة لاستقبال مشاورات جديدة من أجل مناقشة مسار دستوري محدّد، وخاصة أن المفاوضات الأممية لم تحدّد المسار حتى الآن (إقرار الدستور أولاً، ثمّ عقد الانتخابات أو العكس). كما وُجّهت دعوات إلى ممثلين عن «الوفاق» و«المجلس الأعلى للدولة»، إلى جانب قوات حفتر وبرلمان طبرق، بالتزامن مع الترتيب لجدول الأعمال للقاءات المنويّ عقدها في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، علماً بأنها ستكون الاجتماعات الأولى المعلَنة في العاصمة المصرية التي تشارك فيها «الوفاق» منذ مدة طويلة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا