بعد تأجيل لمرّتين، صادقت الحكومة المغربية على مشروع القانون المتعلّق بالاستعمالات المشروعة للقنّب الهندي، المعروف لدى المغاربة بـ"الكيف". وتثير هذه الخطوة جدلاً واسعاً بين مؤيّد ومعارض للاعتراف القانوني بهذا النشاط الزراعي الذي ارتبط لعقود طويلة بتجارة المخدرات. وجاء في بيان للمجلس الحكومي أن مشروع القانون يروم "إخضاع كافة الأنشطة المتعلّقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنّب الهندي ومنتجاته إلى نظام الترخيص". ويُخرج المشروع، المنتظَر عرضه على مجلسَي البرلمان لاستكمال مساره التشريعي، النبتة المثيرة للجدل، والتي عمّرت في المغرب لأكثر من قرن، من الدوائر غير المنظَّمة والمستغَلّة من طرف أباطرة الحشيش، ويُدخل زراعتها في نطاق الشرعية.ويهدف مشروع القانون، الذي اقترحته وزارة الداخلية، إلى جَلْب "استثمارات عالمية من خلال استقطاب الشركات المتخصّصة في الاستعمالات المشروعة لتلك النبتة في الأغراض الطبّية والصناعية"، وذلك عبر تحويل زراعتها إلى نشاط مشروع ومستدام ومُوفّر لفرص العمل. كما يصبو إلى وضع إطار قانوني يسمح بتطوير الاستعمال الطبّي للقنّب الهندي، إضافة إلى الاستعمالات التجميلية والصناعية، في إطار ملاءمة القوانين مع الالتزامات الدولية للمغرب، خصوصاً بعد تصويت البلاد لمصلحة إدراج النبتة كمكوّن علاجي طبّي، خلال اجتماع للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة نهاية العام الماضي. وينصّ المشروع على أن إنتاج القنّب الهندي يتطلّب ترخيصاً، ويقع ضمنه نشاط استيراد البذور والنباتات وتصديرها، واستحداث واستغلال المنابت والزراعة والتحويل وتصدير القنّب ومشتقّاته، واستيراد مواد مستحضَرة منه، وتسويق النبتة ومشتقّاتها ونقلها. ويبقي النصّ على منع إنتاج وزراعة القنّب الهندي لأغراض ترفيهية، إذ يشير إلى حظر زراعة النبتة، التي تحتوي على نسب عالية من مادة "رباعي هيدرو كانابينول" المعروفة اختصاراً بـ"THC"، والتي تسمح باستخراج مخدّر الحشيشة.
وعلى رغم الحظر الذي يُطبَّق منذ عهد الحماية الفرنسية، إلا أن نبتة القنّب الهندي التي تحتوي على نسب عالية من مادة "THC" ظَلّت تُزرع، بشكل غير قانوني، في مناطق الشمال، على مساحة تُقدّرها المعطيات الرسمية بما يفوق 47 ألف هكتار. ويعيش عشرات الآلاف من الفلاحين وأسرهم من مدخول هذه الزراعة، التي يُوجَّه منتجها لتجّار المخدرات بعيداً عن أعين السلطات. وينصّ مشروع القانون على منح رُخص للمزارعين من أجل مزاولة نشاطهم بشكل قانوني وفي العلن، وأن يبيعوا محصولهم لوكالة ستنشئها الدولة لتنظيم القطاع.
ويرى فاعلون سياسيون وباحثون في الشأن المحلّي أن هذا القانون سيُحدث تغييراً مهمّاً في واقع المنطقة المعنيّة بزراعة "القنّب الهندي"، اقتصادياً واجتماعياً، بعدما عانى سكّانها لسنوات من حالة الخوف الدائم، بسبب اشتغالهم في قطاع "خارج عن القانون"، وخاصة أن العديد منهم يطالبون منذ سنوات طويلة ببديل اقتصادي.
ينتج المغرب 38 ألف طنّ من القنّب الهندي سنوياً من المساحات المزروعة في الهواء الطلق


وقال محمد شيبة، قيادي في "حزب الاستقلال المغربي"، في حديث إلى "الأخبار"، إن القانون "سينصف ساكني المنطقة بعد عقود من الفقر والتهميش الذي عانوا منه من جرّاء تجريم أيّ زراعة وتجارة في الكيف ومشتقاته، وهو الوضع الذي بقي قائماً حتى اليوم، في ظلّ تناقض صارخ بين القانون الزجري والواقع الفعلي"، لافتاً إلى أن "حقول القنّب الهندي تمتدّ على مساحات واسعة أمام أعين السلطات التي تقوم باعتقال أيّ مواطن بحوزته حزمة كيف، أو قُدّمت ضدّه شكاية كيدية بزراعة القنّب". وأشار شيبة، المنحدر من منطقة الريف المعروفة تاريخياً بزراعة "القنّب الهندي"، إلى أن "المنطقة ستصبح محطّة استثمارية مهمّة وطنياً ودولياً، ما يفسح في المجال أمام الشركات الكبرى عالمياً في الطبّ والتجميل والصناعة"، متسائلاً في الوقت نفسه عن "كيفية تثمين هذا المنتج المقنَّن، وبكم سيبيع المزارع محصوله للشركات المصنِّعة؟ وهل سيضمن الثمن المحدَّد في عقد البيع، بين تعاونيات الفلاحين والشركات تحت إشراف الوكالة الوطنية، العيش الكريم للمزارعين ولأسرهم". ودعا، في الأخير، إلى "إيجاد حلول عقلانية وغير مستعجلة، تراعي بالأساس إشراك فعاليات المجتمع المدني المحلّي والإنصات إلى مطالبهم ومشاكلهم والأخذ بعين الاعتبار مقترحاتهم، من أجل تجويد النص القانوني وتنزيل مقتضياته بصيغة تتلاءم مع المصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية".
وذكّرت أستاذة القانون العام في "جامعة محمد الخامس" في الرباط، رقية أشمال، من جهتها، بأن النقاش حول قانون الاستعمالات المشروعة للقنّب الهندي "تمدَّد في الغرفة التشريعية لأزيد من سبع سنوات، مضيّعاً بذلك حقوقاً اقتصادية ومدنية لعدد من المزارعين، وللزمن التنموي في المغرب، على اعتبار أن هنالك استعمالات طبّية تمكن الاستفادة منها". وأشارت، في حديثها إلى "الأخبار"، إلى أن "التقنين يأتي انسجاماً مع القرار المتّخذ من طرف المنظّمات الدولية ذات الاختصاص، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظّمة الصحة العالمية، نهاية السنة الماضية، بإعادة تصنيف النبتة من المواد الأقلّ خطورة والتي لها منافع طبية". كما أشارت إلى أن "التقنين له منافع أقلّها ضمانات نفسية للمزارعين الصغار الذي يعيشون على رعب الاعتقال بتهمة الزراعة في المناطق المعروفة بذلك (تارجيست، الحسيمة، كتامة)"، مضيفة أنه "ستكون له تداعيات في حالة استفادة مناطق أخرى من انتشار هذه الزراعة"، وبالتالي "تظلّ فعالية الفصول المرتبطة بهذا القانون رهينة بمدى نجاعة السياسات الترابية في التطبيق الأسلم لها".
ورأى الباحث في علم الاجتماع السياسي، محمد أكديد، بدوره، في حديث إلى "الأخبار"، أن "الأمر لا يتوقّف فقط على تنزيل هذا القانون، بل أيضاً تفعيل خطّة لاستغلال هذه الثروة الوطنية بشكل لا تكون له تداعيات سلبية على المجتمع وبمنطق رابح - رابح، بحيث تستفيد الدولة والساكنة من كلّ الإجراءات المهمة، وذلك بالاستفادة من تجارب الدول التي سبقت المغرب في هذا المجال". ولفت أكديد إلى أن التأثير السياسي لهذا القانون محدود، "ويمكن الوقوف عليه فقط من خلال حالة الاستقطاب والاصطفاف بين مؤيد ومعارض، والتي خلقها الجدل الحادّ بين بعض الأحزاب كالعدالة والتنمية الذي عارض أمينه العام السابق بشراسة هذا القانون، وبين حزب الأصالة والمعاصرة وأحزاب أخرى دافعت أيضاً بشراسة عن تقنين زراعة القنّب الهندي".
يُذكَر أن المغرب ينتج من القنّب الهندي، بحسب تقارير دولية، 38 ألف طنّ سنوياً من المساحات المزروعة في الهواء الطلق، فيما يبلغ حجم الإنتاج في المناطق المغطّاة 760 طنّاً. وبيّن تقرير لـ"الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات" أن جزءاً كبيراً من الكمّيات المنتَجة يتمّ تصديره نحو أوروبا وبلدان شمال أفريقيا، مفيداً بأن المساحة التي يتمّ تدميرها سنوياً من هذا المخدّر تبلغ 2,4 في المئة من المساحة الكلّية المزروعة.