الجزائر | في الساعات الأولى التي تلت قرار تجميد عمل البرلمان في تونس، كان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أوّل من اتّصل به الرئيس قيس سعيد، ليبحث معه آخر مستجدّات الأوضاع، وفق بيان الرئيس الجزائري. عنت هذه الخطوة حرص الجانب التونسي على وضع الجزائر في صورة الأحداث التي تمّ تفسيرها بشكل متناقض في الإعلام العربي، وفق توجّهات الدول التي يتبعها هذا الإعلام. ولا يُستبعد، وفق ما تداولته مصادر إعلامية، أن تكون السلطة الجزائرية على علم مسبق بقرارات الرئيس التونسي، بالنظر إلى قوّة العلاقات التي تجمع البلدين، خاصة في الأشهر الأخيرة.وفي اليوم الأوّل لإنفاذ قرارات سعيد، حلّ وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في تونس، حيث أعلن خلال لقائه سعيد أنه جاء مكلّفاً بحمل رسالة من الرئيس الجزائري إلى نظيره التونسي. وعاد مرّة أخرى لعمامرة إلى تونس، بعد أسبوع فقط من زيارته الأولى، وذلك في ختام جولة أفريقية - عربية كان لها صدًى واسع دولياً وأفريقياً. ولئن كان مبرّر الزيارة الثانية، وفق لعمامرة، إطلاع الرئيس التونسي على مجريات جولته في إطار ترتيب القمّة العربية المقبلة في الجزائر، باعتبار سعيد رئيساً للقمّة العربية، فإن ظهور الوزير الجزائري، الذي يُعدّ شخصية ثقيلة في الميزان الدبلوماسي إقليمياً، إلى جانب الرئيس التونسي للمرّة الثانية، يشير، وفق مراقبين، إلى وجود دعم ضمني من الجزائر لسعيد، حتى وإن كانت ترفض التورّط في متاهات الصراعات السياسية في تونس.
وتُترجم هذا الموقفَ، بوضوح، تصريحات لعمامرة حول تونس خلال زيارته لمصر، حيث لجأ بعد سؤاله عن موقف الجزائر ممّا يحدث في تونس، إلى لغة دبلوماسية هادئة، قائلاً: «هو شأن داخلي، ونحترم سيادة تونس ونتضامن مع الشعب التونسي الشقيق». وأشار إلى أن الجزائر تقيم اتصالات مع القيادة التونسية، ولديها قناعة بأن «الشعب التونسي سوف يتجاوز هذه الفترة من حياته المؤسّساتية»، وبأنه «سيتمّ اتخاذ إجراءات لوضع مسيرة تونس السياسية والمؤسّساتية على الطريق الصحيح، ليتسنّى لتونس الشقيقة مواصلة عطائها». ويمكن بسهولة تمييز الموقف الجزائري، من حيث الشكل، عن الموقف المصري، الذي جاء داعماً بشكل علني لقرارات الرئيس التونسي، وفق ما صرّح به وزير الخارجية المصري، سامح شكري. وفي ذلك تباين يمكن تفسيره بِكَون مصر، على عكس الجزائر، تُجاهر بعدائها لكلّ تنظيمات وأحزاب «الإخوان المسلمين»، ومنها حركة «النهضة» التي كانت مسيطرة على البرلمان في تونس، بينما الجزائر لا تتّخذ هذا الموقف الحدّي، بل هي استطاعت أن تستوعب الأحزاب المحسوبة على «الإخوان» فكرياً في فلك السلطة، حيث تشارك حركة «البناء» في الحكومة الحالية، بينما تحتلّ «حركة مجتمع السلم» موقعاً متقدّماً في البرلمان، في ظلّ اختيارها أن تكون في صفّ المعارضة غير الراديكالية، التي لا ترفض شرعية الرئيس الحالي وتشارك باستمرار في كلّ الانتخابات التي تجريها السلطة.
لا يمكن فهم الموقف الجزائري على أنه رغبة في تصفية تيار «الإخوان المسلمين»


وبالرجوع إلى الوضع في تونس، كانت الجزائر دائماً على علاقة جيدة مع حركة «النهضة». ففي فترة الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، زار زعيم الحركة، راشد الغنوشي، الجزائر عدّة مرات، وسُمح له، بغير صفة رسمية، باللقاء بالرئيس الجزائري الذي كان مريضاً وينتقي زوّاره بعناية فائقة تجنّباً لأيّ حرج دبلوماسي قد يقع فيه. وبحُكم هذه العلاقة القوية التي جمعت الرئيس السابق بأبرز القادة السياسيين التونسيين، تمّ الحديث في أيلول 2013 عن مبادرة وساطة قادتها الجزائر في ذلك الوقت من دون تسويقها إعلامياً، لتقريب الحزبَين المسيطرَين على المشهد السياسي التونسي آنذاك، «نداء تونس» و»حركة النهضة»، ليستقبل الرئيس السابق، بالفعل، كلّاً من الراحل الباجي قايد السبسي والغنوشي. ولم يطرأ، مع وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، ما يفيد بتردّي علاقة الجزائر مع «النهضة»، أو غيرها من التيارات السياسية في تونس.
لذلك، لا يمكن فهم الموقف الجزائري الذي يَظهر كأنه في صفّ الرئيس التونسي، على أنه رغبة في تصفية تيار «الإخوان المسلمين» مثلما تريد دول عربية أخرى، بل هو، في الواقع، منطلِق من ضرورة دعم الدولة التونسية بسلطتها الحالية المتمثّلة في رئيس الدولة والجيش، وذلك لأن بقاء هذه الدولة قوية ومتماسكة يصبّ في مصلحة الجزائريين، على اعتبار أن تونس تمثّل عمقاً أمنياً واستراتيجياً للجزائر التي تعاني من استنزاف طاقتها العسكرية في حماية حدودها الملتهبة شرقاً مع ليبيا، وجنوباً مع دول الساحل، وغرباً مع المغرب، الذي تعود العلاقات معه إلى التوتّر والتصعيد. وعلى هذا الأساس، سارعت الجزائر، في كلّ مرّة، إلى المساعدة في إطفاء الأزمات التونسية، سواءً من خلال المساعدات المالية، إذ تمثّل الودائع الجزائرية نصيباً معتبراً من النقد الأجنبي التونسي، أو من خلال التنسيق الأمني العالي المستوى لمواجهة الخطر الإرهابي الذي عانت منه تونس في السنوات الأخيرة. كذلك، فتحت الجزائر مع تونس خطّاً لتوريد الأوكسيجين في ظلّ ما تعانيه الأخيرة من جرّاء أزمة «كورونا»، وقرّرت اقتسام ما يصلها من لقاحات مع جارتها، وفق ما أكد مسؤولون جزائريون. ومع أن الأزمة في تونس لا تزال في بداياتها، ولم تصل إلى مستوى طلب الوساطة، إلّا أن الجزائر - على رغم إشكالات نظامها السياسي -، بحُكم جوارها مع تونس وابتعادها عن لعبة المحاور في المنطقة، قد تكون وفق مراقبين، أحسن مَن يمكنه تقريب وجهات النظر بين الفرقاء التونسيين، في حال عجز هؤلاء عن التوصل إلى حلّ، خصوصاً أن الجزائر تملك علاقات جيدة مع كلّ الأطراف، وليست لها سوابق تدخّل في الشأن التونسي.