الرباط | بنفَس هزْلي، يتذكّر المَغاربة هذه الأيام، على وسائل التواصل الاجتماعي، كيف خرج حزب «التجمّع الوطني للأحرار»، بشخْص زعيمه رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، قبل بداية الانتخابات التشريعية لعام 2021، لِيَطْرح برنامجه الانتخابي، ويَعِد المواطنين بإحداث مليون فرصة عمل. وعلى رغم تصدُّر حزبه نتائج الانتخابات في الأيام القليلة اللاحقة لتلك الوعود، بما أدّى إلى تصعيده إلى رئاسة الحكومة، لم يُحرّك أخنوش ساكناً، لا سيما في مرحلة كان يَرتقب فيها المجتمع تدخّله لإبطال قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة، شكيب بنموسى، المُتعلّق بشروط توظيف أساتذة وأطر الأكاديميات، والذي أخضع ملفّاتهم لمعايير انتقائية، مُحدِّداً سنّ العمل بـ30 سنة، ومانِحاً فرصة أكبر للخرّيجين التقنيين من كليات علوم التربية، مقابل تقزيم حمَلة شهادات الإجازة الأساسية. وأدّى هذا القرار إلى استشعار آلاف الطلَبة والمُتعطّلين حالة من التهميش والإقصاء، في وقت يتزايد عدد الحاصلين على الشهادات العليا في البلاد، من دون أن يلقوا أيّ فرص عمل، علماً أن مهنة التعليم ظلّت لسنوات المَنْفذ الوحيد لهؤلاء، حتّى ينعموا ببعض من الاستقرار الاجتماعي. وعلى الرغم من كثرة الإضرابات والوقفات الاحتجاجية التي أثارتها خطوة بنموسى، والجدل الكبير الذي رافقها، لم يفعل أخنوش إلّا أن دافع عن وزيره، بتواطؤ من النقابات التعليمية.
أثبتت حكومة أخنوش أنها نسخة من سلسلة الحكومات البائسة التي تعاقبت على السُلطة

وفيما كانت الصرخات لا تزال تتعالى خوفاً على مصير حمَلة الماجستيرات وشهادات الدكتوراه، أطلّت الحكومة من جديد، عبر الإعلام الرسمي، من أجل إعلان برنامج «أوراش» (2022). إذْ كشَف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، تفاصيل هذا البرنامج القاضي بخلْق 250 ألف فرصة عمل بشكل مؤقّت، على أن ينطلق في مرحلة أولى في 10 أقاليم مغربية، ومن ثمّ يتم تعميمه لاحقاً على جميع جهات المملكة. ويقوم «أوراش»، الذي انطلق العمل به في الـ12 من الشهر الحالي، على إبرام عقود مُؤقّتة تتولّى تنسيقها جمعيات المجتمع المدني والمقاولات والتعاونيات، وهو مُخصَّص بالدرجة الأولى للأشخاص الذين فقدوا عملهم جرّاء تداعيات وباء «كورونا»، أو حتّى الذين يتوفّرون على مؤهّلات علمية أو غيرها ولا يجدون عملاً. وبحسب الإعلان الحكومي، فإن البرنامج سيغطّي مجالات عدّة كالبنيات التحتية والأنشطة الرياضية والثقافية والتعليم الأوّلي والخدمات شبه الطبية، وسيستفيد منه ما بين 1000 و1600 في كلّ إقليم، بمبلغ شهري بحدود 2828 درهماً، مع تغطية صحّية وتأطير وشهادة عمل.
هكذا، وبينما كان المغاربة ينتظرون تطبيق وعد المليون منصب، من خلال وظائف قارّة تستجيب لحاجات الناس، يَخرج رئيس الحكومة بمثل هذه المشاريع السياسية التي سيكون من شأنها تعميق الفروقات الطبَقية، وحمْل الكثيرين على التفكير بالهجرة. وليس ذلك خارجاً من مسار ثابتٍ شقّته حكومة أخنوش منذ تشكيلها، محافِظةً على التقاليد السياسية السائدة في الـ10 سنوات الأخيرة، بما يجعلها، مع مرور 100 يوم على ولادتها، غير مستحِقّة أيّ شكل من أشكال الدعم، كونها أشبه بنسخة من سلسلة الحكومات البائسة التي تعاقبت على السُلطة، ولم تفعل إلّا مضاعفة القهر الاجتماعي.