طرابلس | دخلت الهدنة التي جرى التوصُّل إليها بين الميليشيات والفصائل المسلّحة المدعومة من قِبَل رئيسَي الوزراء الليبيَّين المتنافسَين، عبد الحميد الدبيبة، وفتحي باشاغا، حيّز التنفيذ، إثر سقوط عشرة قتلى وأكثر من 20 جريحاً في الاشتباكات التي وقعت خلال الأيام الماضية، وتَرافقت مع أخرى داخلية سُجِّلت داخل المعسكر الموالي لباشاغا، بين فصائل محسوبة مباشرةً على الأخير، وأخرى تابعة لوزارة الدفاع في حكومته. الاشتباكات التي بدأت في مدينة الزاوية، أكثر مدن الغرب الليبي استقطاباً للميليشيات، واستُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة بعدما ظلّت الجولات الماضية مقتصرة على الأسلحة الخفيفة، يُحتمَل أن تتجدّد في أيّ وقت بالنظر إلى هشاشة الهدنة التي يحاول رئيس حكومة «الوحدة» ترسيخها راهناً، كوْن انهيارها سيهدّد مستقبل هذه الحكومة، التي تستمرّ الانقسامات بين الميليشيات التابعة لها، وهو ما يمكن لخصومها استغلاله.وكانت اندلعت المواجهات بين ميليشيات «السلعة» التابعة لعثمان اللهب من جهة، وميليشيات «أبناء السيفاو» من جهة ثانية، بسبب خلاف على تقاسم النفوذ في الزاوية، ليتدخّل إثر ذلك فريق عسكري حكومي، وينجح في التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار من خلال تسوية قَبَلية أبْقت على سلاح كلّ مجموعة مقاتِلة من دون أيّ تغيير في الوضع القائم. وجاء تَجدّد القتال بعدما شهدت الأسابيع الماضية تسديد الرواتب المتأخّرة لأعداد كبيرة من مقاتلي الميليشيات بهدف ضمان ولائهم، مع زيادة قيمة بعضها، في حين وصلت أسلحة من مناطق خارج العاصمة إلى داخلها عبر صفقات سلاح بعضها دُفع ثمنه بشكل عيني. في هذا الوقت، اكتفت البعثة الأممية إلى ليبيا بإصدار بيان دانت فيه الاشتباكات، مشدّدةً على ضرورة حماية المدنيين. وأتى البيان الأممي معبّراً بشكل واضح عن تراجع القوى الدولية الفاعلة في الملفّ الليبي عن تسليط ضغوط حقيقية لإنهاء الانقسام، في ظلّ تراجُع أهميّة ما يحدث في ليبيا بالنسبة لتلك القوى، مقارنة بأحداث أكثر إلحاحاً تدور حول العالم. أمّا الأطراف العربية المعنيّة، فالظاهر أنها أخذت هي الأخرى استراحة من التدخُّل في العديد من التفاصيل، في انتظار الشهر المقبل الذي يُتوقّع أن يكون مفصلياً، نظراً إلى الاجتماعات التي يجري ترتيبها للمبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، سواءً مع الفاعلين الليبيين أو حتى مع مسؤولي الاستخبارات والمعنيين بالملفّ في دول الجوار.
وتأتي هذه التطوّرات في الوقت الذي عاد فيه مجلس النواب إلى الانعقاد، لكن هذه المرّة من أجل انتخاب نائب ثانٍ لرئيسه، وهو المنصب المخصّص للمنطقة الجنوبية، والذي يشهد تنافساً بين عدّة شخصيات، فيما جَمّد المجلس بشكل فعلي جميع اللجان التي شُكِّلت من قَبل للتعامل مع الأزمة السياسية، بعدما انتهى جدولها الزمني من دون الوصول إلى أيّ نتائج تذكر. ولا يزال جدول أعمال البرلمان الذي يُعتبر السلطة الوحيدة المنتَخبة شعبيّاً حتى مع انتهاء فترة ولايته وتمديدها، خالياً من محاولات توحيد السلطة، منذ انتخاب باشاغا، بينما تبْقى حكومة الدبيبة المسيطِرة على طرابلس هي ممثّلة الليبيين أمام المجتمع الدولي. أمّا محمد المنفي، رئيس «المجلس الرئاسي»، فيعمل على وضع خطّة لحلحلة الأزمة بتوافق خارجي يُفرض على الأطراف الداخليين، وهو ما سعى إلى تحقيقه في زيارته الأخيرة إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.