الجزائر | تنطلق في العاصمة الجزائرية، الجزائر، اليوم، أول قمة عربية بعد أَزْيد من سنتين على تعليق عقْدها بفعل انتشار وباء «كورونا». وإذ تتراوح التوقّعات حول مآلها، بين نجاحها تنظيمياً وخروجها بنتائج «واقعية ومُلزمة»، وفق ما تأمل السلطات، ثمّة مخاوف تتعلّق بقدرتها على احتواء القضايا الثقيلة المترتّبة على الوضع الإقليمي كما الدولي، أو حتى تفعيل دور الجامعة العربية الضامر منذ زمن. ويأتي انعقاد القمّة في وقت يُسجَّل فيه عزوف الشارع الجزائري، منذ توقُّف مسيرات الحراك الشعبي في أيار 2021، عن متابعة الأحداث السياسية، وإظهاره شبه مقاطعة للاستحقاقات الانتخابية، وفق ما تُبيّنه الإحصائيات الرسمية. وعلى رغم اقتناع فئة من الجزائريين بما أفرزته انتخابات عام 2019، ظلَّت فئة أخرى مُتشبّثة بمطالب التغيير الجذري، على اعتبار أن الوضع السياسي الحالي ليس سوى عودة إلى ما كانت عليه الحال قبل الحراك، فيما رجحت كفّة فئة ثالثة، هي الغالبية الصامتة غير المُقتنعة بجدّية كل السيناريوات السياسية المطروحة.
على أن عودة الحدث السياسي إلى الواجهة، كانت من بوابة القضايا الدولية، حيث تفاعَل الجزائريون مع مختلف الأحداث: من الحرب في أوكرانيا، إلى علاقات بلادهم الخارجية المتقاربة مع إيطاليا وتركيا، والمتوتّرة مع إسبانيا وفرنسا والمغرب. وفي الموازاة، جاء انعقاد القمّة العربية ليضع الجزائر في قلْب الحدث الإقليمي، ما جعل مواطني هذا البلد يعيشون التحضيرات يوماً بيوم، من إغلاق الطرق أمام المركبات لاستقبال الوفود العربية، إلى التحضير لاستعراض شعبي لمناسبة الذكرى الـ68 لاندلاع الثورة التحريرية، والتي تصادف اليوم. كما أُقرّت عطلُ للتلامذة طيلة أيام الحدث العربي، جنباً إلى جنب تزيين مختلف الساحات والحدائق العامة، انطلاقاً من مطار هواري بومدين الدولي في الضاحية الشرقية للعاصمة، إلى قصر الصنوبر في ضاحيتها الغربية، ونصْبِ مجسّمات تُجسّد معالم الدول المشاركة بالقرب من «المسجد الأعظم».
وعادت الجزائر منذ مدة لتتصدّر المشهد عربياً وأفريقياً، بفعل الاستقرار الداخلي الذي تعيشه بالمقارنة مع غيرها من البلدان العربية، وكونها مُورّداً مهماً للنفط، في وقت يشهد العالم صراعاً على هذه المادة، زادته حدّة الأزمة الروسية - الأوكرانية. وتَجَسّدَت هذه العودة في أدائها دور الوساطة في الأزمة الليبية، ونسجها علاقات «متميّزة» مع جارتها الشرقية تونس، فضلاً عن رعايتها «إعلان الجزائر» بين 14 فصيلاً فلسطينياً، وهو ما يُعدّ بالنسبة إليها الإنجاز السياسي الأهم، الذي أُدرج ضمن جدول أعمال القمة العربية. هكذا، أرادت الجزائر أن تكون قِبلةً لـ«لمّ الشمل» العربي، وهو ما بيّنته تصريحات مسؤولين وديبلوماسيين، آخرها ما جاء على لسان الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، من أن «القمة العربية التي ستستضيفها الجزائر تستهدف لمّ الشمل العربي ومواجهة التحديات والضغوط والتهديدات التي تواجه المنطقة».
لكن هذه «الإنجازات» تظلّ أبعد من أن تكون كافية لتجنيب الجزائر سهام الانتقادات؛ إذ يرى متابعون أن الخلافات القائمة بينها وبين عدد من الدول العربية تجعلها أعجز من أن تشرف على أيّ مشروع لـ«لمّ الشمل»، خاصة بالنظر إلى خلافها العميق مع جارتها الغربية، المغرب، والذي تجلّى في الاستقبال «الجافّ» لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، وحصول «تجاوزات» بروتوكولية في حقّ الديبلوماسيين المغربيين، إضافة إلى نشر القناة الحكومية الجزائرية، «الجزائر 24»، خريطة الوطن العربي مع فصْل الصحراء الغربية عن المغرب. تُضاف إلى ما تَقدّم، مواقف الجزائر في ما يتعلق بملفّ «سدّ النهضة» والتي يُنظر إليها مصرياً على أنها «ملتبسة»، علاوة على الاتهامات الموجّهة إليها بالسكوت عن «تدخّل إيران» في الشأن العربي. وإذا أضيف إلى ما تَقدّم استمرار استبعاد سوريا من هذا المحفل، وجنوح عدّة دول عربية نحو التطبيع مع إسرائيل، ووقوف دول أخرى على عتبة ذلك المسار، تصبح الصورة بالغة القتامة.
ومن هنا، تُطرح تساؤلات حول قدرة الجزائر على الخروج بنتائج قابلة للتجسيد ومُلزمة للأعضاء، خاصّة وأن الجامعة العربية أضحت في حُكم «الميتة اكلينيكياً»، في ظلّ الخلافات التي تعصف بين دولها والتي تُعدّ أعمق من أن تنهيها قمّة واحدة، أو إرادة دولة واحدة. ولذا، يبدو من الصعب أن تنتهي القمة إلى مخرجات جدّية تحقّق الإجماع، أو تكون قادرة على إيجاد حلول للقضايا العربية المطروحة، وأبرزها قضية الأمن الغذائي. مع ذلك، يُراهن مراقبون جزائريون على أن تدفع الضرورة التي تُمليها الظروف الدولية والإقليمية إلى التسريع في التوجّه نحو إيجاد توافقات سياسية - اقتصادية، لتقوية الجامع بين الدول العربية، والتصدّي للتحديات الراهنة، فيما يَبرز من بين الملفّات الواجب البتّ فيها بشكل عاجل، «إعلان الجزائر» وضرورة التزام الفصائل الفلسطينية بتنفيذه.