حسام كنفانيرسمياً، أُغلق الآن باب الانتظار الفلسطيني للردّ الأميركي على جهود تجميد الاستيطان تمهيداً لإعادة عجلة المفاوضات. الرد قد يكون متوقعاً لمن تابع معطيات الأيام الأخيرة من الاتصالات الأميركية ـــــ الإسرائيلية، التي كانت تشير إلى أنّ هذه الاتصالات وصلت إلى طريق مسدود. لكن صياغة الرد هي الجزء الصادم في الأمر، فالولايات المتحدة لم تتوقف عند حدّ إبلاغ الفلسطينيين بأنّ جهودها باءت بالفشل، بل اصطفّت إلى الجانب الإسرائيلي في موقفه من أنّ التجميد ليس عنصراً جوهرياً في المفاوضات. المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي أعلن صراحةً أنّه أثناء السعي إلى التجميد «توصّلنا الى استنتاج أنّ هذا لن يخلق أساساً قوياً لتحقيق الهدف المشترك في التوصل الى اتفاق إطار».
الرد الأميركي على هذا الأساس ليس فقط إعلان إخفاق، بل هو تراجع عن الوعد الذي قطعته واشنطن، والجهود التي كانت تقوم بها. هذا يعني عملياً أنّه لا مجال بعد اليوم لإعادة فتح هذا السجال بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي بدا أنّها تقول للفلسطينيين: «انسوا تجميد الاستيطان، ولنبحث عن صيغة أخرى لاستئناف المفاوضات». كراولي رأى أنّ الأمر ليس «تغييراً في الاستراتيجيا بل تعديل في التكتيك».
وبغض النظر عن المسميّات التي تسعى واشنطن إلى إضفائها على موقفها المستجد، فإنّ مغزاها واحد، وهو ترك الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس مجدّداً فوق شجرته يصارع للقفز أو النزول. هو اليوم أمام حلّ من اثنين، إما المضيّ في الخيارات التي مرر فترة الانتظار بتلاوتها على مسامع الصحافيين، أو السير على هدى التكتيك الأميركي الجديد.
بات التكتيك الأميركي اليوم على طاولة الفلسطينيّين، عنوانه الأساس هو «العودة إلى المفاوضات غير المباشرة»، التي كانت قائمة قبل قمة واشنطن، ولم تثمر عمليّاً أيّ جديد على ساحة عملية التسوية. ردّ السلطة لم يصدر بعد، ومن غير المتوقع أن يصدر سريعاً. فعلى عكس ما كان يوحى به سابقاً، فإنّ محمود عبّاس غير قادر على السير في خطى الخيارات البديلة من دون الحصول على أضواء خضراء، ولا سيما من الدول العربية.
هذا ما أعلنه صراحةً المتحدثون الفلسطينيون، الذين أكدوا أنّ الردّ على الردّ الأميركي خاضع للمشاورات العربية، التي من المفترض أن تبلور موقفاً واضحاً من التغيير الأميركي الجديد.
حديث فلسطيني غير مطمئن من بدايته، ولا سيما أنّ السلطة تعلم الرغبة الأميركية الجديدة، وهي لم ترفضها رفضاً مباشراً، بل سارت بها ضمناً. ستوفد السلطة مسؤولاً إلى واشنطن في الفترة القريبة المقبلة، بالتزامن مع موفد إسرائيل، في ما يمكن أن يكون تدشيناً للمفاوضات غير المباشرة حتى قبل القرار العربي، الذي من غير المتوقع أن يكون معاكساً للرغبة الأميركية.
لم تعلن السلطة الرفض رسميّاً، بل اكتفت بالتشكيك في قدرة الولايات المتحدة على إحداث اختراق في المفاوضات. لم تحدد عن أي مفاوضات تتحدّث، لكنّها بالتأكيد تقصد الصيغة الجديدة، التي ستنتظر الموقف العربي للسير بها.
كيف سيكون الموقف العربي؟ سؤال مثير للاهتمام وإجابته لن تنتظر طويلاً، ومن الممكن تبيان ملامحها من بعض التصريحات والبيانات، أو قراءة المواقف المعروفة مسبقاً. فمن المسلّم به أنّه لا موقف جامعاً للدول العربية في ما يخص «المفاوضات المباشرة». لكن هناك مواقف لدول ذات تأثير أكبر على الساحة الفلسطينية، وفي مقدمتها مصر والسعودية، اللتان يحسم موقفهما خيارات السلطة الفلسطينية. الموقف المصري معروف بتمسكه بعملية المفاوضات، حتى في ظل المناكفة القائمة بين القاهرة وواشنطن بشأن الموضوع الانتخابي. وبالتالي فإنّه من غير المحتمل أن تسير مصر بما لا ترغب فيه الولايات المتحدة، وهي لا شك حصلت مسبّقاً على الرد وعمدت إلى تسويقه فلسطينياً، بما لها من دلال على أبو مازن الذي لا يردّ طلباً مصرياً.
أما الموقف السعودي، الذي لا يمكن أيضاً أن يسير على غير الهدى الأميركي، فمن الممكن اعتبار أنّه تسرّب في بيان قمة مجلس التعاون الخليجي، الذي أعلن رفض «المفاوضات المباشرة في ظل الاستيطان». والإشارة هنا بوضوح إلى المفاوضات المباشرة تعني صراحةً قبولاً ضمنيّاً بما تريده الولايات المتحدة من عودة إلى المفاوضات غير المباشرة.
مؤشرّات تعطي فكرة مسبّقة عن الخيارات التي سيلجأ إليها محمود عبّاس، وهي ستكون غير تلك التي سبق أن أعلنها، من دون أن يعني ذلك رمي بدائله في سلّة المهملات. أبو مازن، ومعه العرب، سيعمدون إلى حفظ ماء الوجه، واللجوء إلى مسارين متوازيين.
مساران متوازيان قد يكونان بخوض المفاوضات غير المباشرة، وفي الوقت نفسه السعي إلى تأمين الاعتراف بالدولة، متسلّحين بالاعترافات بالدولة الفلسطينية التي بدأت تصدر، من دون أن يُغضبوا الأميركيين.
لكنّ المحصّلة ستكون عودة إلى دوّامة تفاوض غير مباشر، سبق أن أظهر عدم نجاعته. ما يعني تجريب المجرّب والسقوط مجدداً في حفرة الوعود الأميركيّة.