خالد صاغيةبدأ الهجوم المضاد. ما إن أُوقِف مؤسِّس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج، حتّى انطلقت الحرب الإلكترونيّة. هجوم على موقع محامي الفتاتين اللتين ادّعتا على أسانج بتهمة «الاغتصاب والاعتداء الجنسي»... الموقع الإلكتروني للنيابة السويدية لم يسلم من الهجوم... شركة الخدمات الماليّة السويسريّة دفعت ثمن إغلاقها حساب أسانج... بطاقات الدفع «ماستركارد» تعطّل موقعها بعدما كانت قد جمّدت كلّ التعاملات مع بطل «ويكيليكس»...
خطوة متقدّمة للناشطين الإلكترونيّين الذين اقتحموا منذ قرابة العقد الحلبة السياسيّة. رسائل إلكترونيّة تنظّم تظاهرات... جمل قصيرة على موقع «تويتر» تخرق الحصار الإعلامي... مجموعات ضغط تتألّف على «فايسبوك»، وما يشبه المناشير الإلكترونيّة يوزَّع على الموقع نفسه بكبسة زر واحدة. كرة الثلج تكبر. الزمن لم يعد زمن «الضبّاط الأحرار». إنّه زمن «القراصنة الأحرار». مراهقون بدأوا بالتطفّل على النظام العام، قبل أن يحلموا ذات يوم بإزعاجه، وصولاً إلى شنّ الحرب عليه.
منذ الثمانينيات، وتحديداً بعد فشل تجربة فرانسوا ميتران في تقديم نموذج اشتراكيّ مختلف بعدما انكشفت فظائع «الغولاغ» السوفياتي، أدرك العالم أنّ الدول، سواء بمفردها أو عبر إقامة تجمّعات إقليميّة، ما عاد بمقدورها أن تمثّل ردّاً على ذاك الوحش المدعوّ أمبراطوريّة. وما إن راجت أهزوجة المجتمع المدني والمنظّمات غير الحكومية، حتّى انتهى معظمها سريعاً أذرعاً للأمبراطوريّة لا تحدّياً لها. فتعلّق اليساريّون بالمجموعات، لا الأنظمة، المقاومة. وإذ مثّل الوجه الخفيّ لـ«السابكوماندانتي» ماركوس في أقاصي المكسيك أيقونة معاصرة لـ«الكوماندانتي» تشي غيفارا، بدأت حركات المقاومة تظهر في أكثر من بقعة جغرافيّة. حركات تفاوتت في مستوى فاعليّتها، لكنّها افتقرت أساساً إلى أيديولوجيا جذّابة.
لا يمكن فصل الحرب الإلكترونيّة عن هذا السياق. وهي حرب لا تحتاج إلى عقيدة. حرب تستلهم مقولة يساريّة قديمة: ابحث عن مواطن السلطة، واضربها. لذلك، لم تكن الصدفة وحدها ما جعل تلك التسريبات تطال سفارات الولايات المتّحدة تحديداً. وهي ليست سفارات بقدر ما هي عين ساهرة حتّى يسير كلّ ما على هذا الكوكب وفقاً لمشيئة الأمبراطوريّة. ولم تكن صدفة أيضاً أن يعد جوليان أسانج بوثائق جديدة تطال المصارف الكبرى هذه المرّة. وهي ليست مصارف بقدر ما هي قنوات لإعادة توزيع الثروة بالمقلوب.
آن لهذا «المقلوب» أن يقف على رجليه. الحرب الإلكترونيّة لا تزال في بداياتها. «ويكيليكس» ليست إلا محطّة.