خالد صاغيةفي خطابه الأخير، أحيا السيّد حسن نصر اللّه الأمل بجدّية المساعي السعوديّة ـــــ السوريّة لتجنيب لبنان المفاعيل المرّة للقرار الاتهامي المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية. بعد أقلّ من أسبوع، جاء كلام رئيس الحكومة سعد الحريري عن اتّفاقه ونصر اللّه ورئيسَي الجمهوريّة والنوّاب بشأن عدم السماح بإحراق البلاد. يمكن الاستخلاص من كلام الرجلين أنّ تسويةً قريبة تلوح في الأفق. وهي تسوية لا بدّ أنّ جوهرها هو مقايضة الحكم بالمحكمة، وإن كانت مقايضة غير كاملة. فالحريري لا يملك سلطة إلغاء المحكمة أو منع صدور قرارها الاتهامي، وجلّ ما يستطيعه هو الإدلاء بموقف يحدّ من مفاعيل القرار لبنانيّاً. وفي المقابل، لا يبدو أنّ عرض نصر اللّه القديم بالعودة إلى تقسيم العمل «السوري» بين المقاومة والإعمار، يمكن أن يبقى سارياً. فرغم انتهاء فترة المراهقة السياديّة واعتراف الجميع بمظلّة التحكيم السعوديّة ـــــ السوريّة، لا مكان في التقسيم السابق للقوى المسيحيّة وعلى رأسها التيّار الوطني الحرّ. فما بالك إن كان ذاك التيّار يرفع شعار التغيير والإصلاح؟ أضف إلى ذلك أنّ لبنان ليس في عام 1993 يوم تسلّم الحريري الأب السلطة. فلا وقت للتجريب، ولا طاقة للمواطن أو للاقتصاد عموماً على تحمّل حقبة أخرى من النهب المنظّم.
والنهب، وإن بدا لوهلة جزءاً من ميراث اللغة الخشبيّة، فهو في لبنان جزء من اللغة الحيّة، والحيّة جدّاً. إنّه موجود في الدين العام الذي تراكمت فوائده من دون استخدامه لأيّ نوع من أنواع التنمية. إنّه موجود في الحاجات الأساسيّة غير المتوفّرة، من ماء وكهرباء وتعليم رسمي ومستشفيات حكومية. إنّه موجود في سعر صفيحة البنزين والعشرة بالمئة على كلّ ما نستهلكه أو نتنفّسه، والتي لا نحصل على شيء مقابلها لأنّ سندات الخزينة بحاجة لمن يدفع فوائدها. إنّه موجود مع إقلاع كلّ طائرة من مطار بيروت. إنّه موجود داخل كلّ مستوعب نفايات. إنّه موجود في قلب المدينة المعزول عن سكّانها.
لا بدّ لتسوية أن تأخذ طريقها في لبنان. تسوية تجعل اللبنانيّين يسلّمون بسعد الحريري رئيساً للحكومة، حتّى لو كان عاجزاً عن تلاوة البيان الوزاري لحكومته، وعن إدارة نقاش داخل مجلس الوزراء، وحتّى لو كانت ملعقة الذهب تحجب عنه رؤية حقيقة من يمثّلهم. تسوية تجعل اللبنانيين يصرفون النظر عن البحث عن اتفاق بديل للطائف رغم كلّ ثغره. تسوية تجدّد مرّة أخرى القبول بمنطق المحاصصة الطائفيّة. لكنّها تسوية لا يمكنها إعادة تشريع أبواب البلاد أمام حيتان المال لتنهش لحمها.
البلاد لا تتحمّل ذاك القرار الاتّهامي. لكن ثمّة من يريد تحميلها في المقابل ستّين ملياراً من الديون مرّة أخرى. لذلك، ربّما، كلّما اقتربت التسوية، ازدادت الحملة على شربل نحّاس.