خالد صاغيةبدأت اللعبة كلّها بوليد جنبلاط وجميل السيّد. اللعبة نفسها، إن قُدِّر لها أن تطوي أحد فصولها الأخيرة، فستطويه بوليد جنبلاط وجميل السيّد. إنّه القدر من دون شك. لكنّها أيضاً الحلقة اللبنانيّة الفارغة، حيث يحدث التغيير وتسيل الدماء كي يبقى كلّ شيء مكانه.
في 14 آذار 2005، كانت الجماهير التائقة إلى التخلّص من القبضة السوريّة. وكانت الطوائف اللاهثة لتحسين مواقعها. وكانت الولايات المتّحدة الأميركيّة والشرق الأوسط الجديد. وكان شبح الثورات الملوّنة فوق سماء بيروت. وكان الغضب من عودة الاغتيالات، ومن اغتيال رفيق الحريري تحديداً. لكن، قبل هذا كلّه، ومن أجل هذا كلّه، كان وليد جنبلاط. الزعيم اللبناني الوحيد الذي كان قادراً آنذاك بإيماءة واحدة منه أن يعلنها «ثورة» أو «انتفاضة». صحيح أنّه زعيم الطائفة الأصغر، لكنّ نقطة الضعف هذه لم تكن إلا نقطة القوّة القادرة على أداء دور الحلقة الجامعة للدوائر الأكبر.
في 14 آذار 2005، وعلى المقلب الآخر من المشهد، كان جميل السيّد. لم يكن حاضراً بجسده بين الجموع. لكنّه كان حاضراً بصورته المرفوعة، مرفقة بعبارة «ارحل». كان إلى جانبه ضبّاط آخرون يقاسمونه الصورة، لكنّه كان هو الرمز لما عُرف آنذاك باسم «النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري المشترك». ذاك النظام الذي حُمِّل مسؤوليّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي أُريدَ إعفاء السياسيين من أي دور فيه، فجرى تجسيده بوجه جميل السيّد.
وفيما نعيش اليوم لحظات حاسمة بالنسبة إلى المحكمة الدوليّة التي كانت مطلباً أساسياً لـ«انتفاضة الاستقلال»، يعود وليد جنبلاط وجميل السيّد إلى الواجهة. لكن، هذه المرّة، لإثبات أنّ شيئاً لم يكن. وإذ يتولّى جنبلاط منذ مدّة مهمّة محو الأحداث التاريخيّة باسم منع الفتنة وتفضيل الاستقرار والسلم الأهلي على المحكمة، يتولّى جميل السيّد ملفّ شهود الزور، الذي قد يفضي في نهاية المطاف إلى «هَرْكَلة» التحقيق الدولي، وبالتالي القرارات الاتّهامية، ما دام إلغاء المحكمة الدوليّة متعذّراً.
يمكن القول إنّه فيما يحاول جنبلاط محو ما اقترفته يداه، يجهد جميل السيّد لمحو ما اقترفته يدا جنبلاط. السؤال المهمّ: هل ستنتصر الممحاة؟ السؤال الذي لا يقلّ أهمية: ممحاة مَن هي التي ستنتصر؟