خالد صاغيةحين ذهب سعد الحريري إلى دمشق للمرّة الأولى، تمنّى جزء كبير من أنصاره لو تنشقّ الأرض وتبلعهم. يومها، قيل إنّ الحريري رئيس حكومة لبنان، ولا يمكن من هو في هذا الموقع أن يقاطع سوريا. لقد كانت زيارة دولة لدولة، لا زيارة شخصيّة. وثمّة من تبرّع ليضيف أنّ ما قام به الحريري لا يعني أبداً التراجع عن اتّهام سوريا باغتيال والده.
لكنّ رئيس الحكومة اللبنانية الذاهب إلى دمشق في زيارة غير شخصيّة، أصرّ على النوم في القصر الرئاسيّ السوري، وتناوُل الفطور مع الرئيس بشّار الأسد، والجلوس إلى جانبه في سيّارة واحدة من أجل «كزدورة» من رجل دولة إلى رجل دولة في شوارع دمشق القديمة.
رغم هذا المشهد، عاد الحريري إلى بيروت، لا ليعطي زيارته طابعاً رسميّاً لبنانيّاً وحسب، بل ليضعها في سياق المصالحات العربيّة ـــــ العربيّة التي كان قد بدأها الملك السعودي في الكويت. وكأنّه بذلك يؤكّد أنّه ما زال هو وجمهوره على حق في كلّ ما فعله سابقاً، لكنّ «الصالح العربيّ العام» يقتضي بعض التضحيات.
ومن «الصالح العربي العام»، بدأ الحريري يتّجه نحو «الصالح اللبناني العام» الذي يعني طبعاً الطلب من سوريا التدخّل في الشؤون الداخليّة اللبنانيّة لحثّ حلفائها على تسهيل مهمّة الحريري الابن في رئاسة الحكومة. وتدرّجت العلاقات من «دولة إلى دولة» إلى ترداد لازمة «العلاقات الشخصيّة الممتازة» بين الرئيسين سعد الحريري وبشّار الأسد.
وفي خطوة تالية، انتقلنا من «عدم التراجع عن اتّهام سوريا» إلى الاعتذار العلني عن الاتهام السياسي لسوريا، والاعتراف بوجود شهود زور أساؤوا إلى العلاقات بين البلدين الشقيقين.
المشهد مؤثّر فعلاً، وخصوصاً حين نتذكّر أنّ طوله يمتدّ بضعة أشهر وحسب. لكن خلف هذا المشهد، ثمّة أصوات حريريّة كانت توحي دائماً بأنّ ما يجري ليس حقيقيّاً، كما لو أنّ الحريري حين ضحك على أنصاره، قائلاً إنّه جزء من المصالحات العربية ـــــ العربية، صدّق نفسه. كأنّ الحريري صدّق فعلاً أنّ بإمكانه أن يقبض ثمن صداقته لدمشق، وأنّ هذا الثمن لن يكون أقلّ من رأس حزب اللّه.
على الحريري أن يستفيق من أوهامه. وليراجع في هذا الخصوص المحاضرة الأخيرة لإليوت أبرامز.